هدأت عاصفة إعلان الرئيس سعد الحريري، تعليق “عمله السياسي” والآن دخل الحديث مدار الجدّ: من هو المخوّل وراثة “الحالة الحريرية” وتبعاً لذلك بلوغ مرحلة “أبوّة السُنة”؟
يقول أنصار تيّار “المستقبل” أنهم يرفضون “مبدأ التوريث”، وأنهم ليسوا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من طرفٍ لآخر، علماً أن موقع “الشيخ سعد” انتقل إليه بالوراثة، ولو ضمن ظروفٍ إستثنائية معينة، إلا أن ما وقع قد وقع وزعيمهم اختار المغادرة، ولا بدّ إذاً من وريثٍ لـ”تسكير الزعامة” طالما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ!
عملياً المرشّحون كثر، و يتوزعون على مختلف المشارب السياسية وبالتالي لا يمكن ادعاء أن الميزان “طابش” لمصلحة جهة دون الأخرى، نتيجة وضعية “التحاصص المناطقي” السائدة ضمن الطائفة السُنية، وهنا يُصبح أن الإختيار صعب ويتطلّب “بروفايلاً” محدّداً، من يحدّده؟ هنا السؤال، لكن على الأكيد وصولاً لحدّ الجزم، أن “اللجنة الفاحصة” لا تتموضع على الضفة اللبنانية.
من الواضح أن الرئيس الحريري سيطيل عزوفه، وتشنّج وليد جنبلاط وتفضيله عدم الخوض في المسألة ولو من باب النقاش و “إقفاله” الباب على زمن سعد الحريري يوحي بذلك. على المقلب الآخر، لم يبلغ “الوريث المُفترض” بهاء، الحلم بعد، وهناك من يقول أن نموذج تنصيبه عام 2017 على الشكل الذي أتى به دُفن حينها، وفي عام 2022 على بهاء إثبات جدارته.
علاوة على ذلك، يظهر أن “بهاء” قد تقدّم إلى الأمام و “رمى العجينة على الحيط” منتظراً أن تلتصق، وفيما لو حصل ذلك يمكن القول أنه وضع قدماً في “مشروعه”، و إطلالته الإعلامية من حيث الزمان والمكان ذات دلالات بالغة.
لكن، والتقدير يعود لمرجعٍ مُخضرم، أن ما هو مخطّط للطائفة السنّية مُحالٌ وضعه في خانة “التوريث التقليدي” أو الطبيعي، بمعنى أن يُزاح “مشروعٌ عائلي” ليتمّ إسقاط “مشروعٍ عائلي” آخر مشابهٍ له، أو على وزنه، ومن الواضح هنا أن المشروع ضمن هذا الوزن “سُحب”، بدليل سحب سعد الحريري من المشهد.
إن صحّ ذلك، فهناك مجموعةٌ من الخيارات “الوراثية”، سنّية وغير سنّية. إن ولجنا إلى الأخيرة بدايةً، يمكن وضع رئيس حزب “القوات اللبنانية”سمير جعجع، في الميزان بصفته حليفاً رئيسياً للسعودية في لبنان. وبعدما ورث “الحكيم” وضعية الحريري بالنسبة إلى السعودية وبات “نافذتها” السياسية، هل يرث حالته الطائفية؟ على الأغلب لا، وهذا له عدة أسباب، تبدأ من تاريخ “القوات” في الحرب ووقوفها خلف المسؤولية عن اغتيال وتصفية زعيم سنّي، ولا تنتهي بالأدوار التي انتهجتها زمن سعد، إبن رفيق الحريري، ومن المعلوم أن جعجع يُتهم بالغدر، وعلى الأغلب إن خيارات البيئة السنّية “محسومة” في هذا المجال، وفيما لو خُيّرت ما بين منح أصوات جماعتها لسمير جعجع، أو من ينوب عنه سياسياً، أو لـ”حزب الله” وحلفائه، فعلى الأرجح تمنحها إلى الطرف الثاني، ليس محبةً به وإنما انتقاماً من الأول.
يبقى الخيار الأول، التوريث لمصلحة حالة سنّية، لكن كيف ستكون أو على أي شكل ستكون هذه الحالة؟
من الواضح أن “تطعيم” المجتمع المدني عبر “خلايا” NGO “ماشي”، وهذا يتطابق عملياً مع ما يجري حالياً ضمن الطائفة السنّية و يتماهى إلى حدٍ ما مع “المشروع الدولي” المعد للداخل اللبناني والقائم على استبدال الطبقة السياسية الحالية بأخرى من “البدلاء”، والبدلاء هنا ليسوا سوى ممثلين عن هيئات ومنظمات المجتمع المدني الداخلة في عنق السياسة، لكن هل يستطيع هؤلاء قيادة أو إدارة “جماعة طائفية” كبرى على شكل هيئة سياسية تعيش حالياً شعور الهزيمة، وما زالت قضية مغادرة زعيمها “طازجة؟ قطعاً لا، فأي خطوة مماثلة بحاجة لإدارة تشاركية. من هنا، تُطرح نظرية “التطعيم”، بمعنى رفد هذه المنظمات بمجموعات سياسية أو شخصيات موجودة لا تقاسمها البيئة العداء، ولربما يتحوّل أحمد فتفت أو عقاب صقر أو غيرهما لاحقاً، إلى “أحصنة طروادة” فينضوون ضمن التركيبة، ولم لا؟ نهاد المشنوق وآخرون من الخارجين عن ضفاف “المستقبل”، وفق معايير محددة دون أن يشكّل ذلك إستفزازاً للتركيبة الطائفية.
المشروع إذاً، توريثٌ سياسي عبر هيئات المجتمع المدني المُقترح مشاركتها في الإنتخابات تحت هذا الإسم، وهنا ثمة من يقول أن بهاء وفيما لو بلغ بعض مراتب التمثيل السنّي، فإنه لن يكون حصرياً له بل تشاركياً مع أطرافٍ أخرى، وفي النتيجة الحالة السياسية السنّية، تنعم بهذه الجمعيات سيًما بعيد 17 تشرين، وثمة من يقول أن جمهور تيار “المستقبل” أو جزءاً منه انضوى ضمن تركيبة 17 تشرين أو بات واقع تحت تأثيرها، إذاً ليس هناك من صعوبة في إنتاج حالةٍ بديلة عن الحريري.
لكن طبعاً، مشروعٌ من هذا النوع يحتاج إنضاجه إلى وقت، وهنا يصبح موعد الإنتخابات النيابية المقبلة “على المحك”، فكيف يبلغ “الوصاة الدوليون” على الحالة اللبنانية تمثيلاً صريحاً وصافياً –وفق مرادهم- يخلف الحريري متى أن التحضيرات لم تنتهِ بعد لتظهير هذا البديل؟ وعلى هذا الوزن ثمة من يطرح تفصيلاً آخراً له صلة بجهوزية الوافد الجديد، الذي هو عبارة عن خليط من شخصيات سنّية “زرقاء” وأخرى “نيو-معارضة”.
الأمر ذاته سيلفح المجتمع المسيحي، فمن الآن وصاعداً، لن تغدو “القوات اللبنانية” على الشاكلة ذاتها، وقريباً ستُعلن عن نفسها كـ”NGO ايضاً، كي تتمكّن طبعاً من بلوغ مرتبة المشاركة ليس في الإنتخابات المقبلة وإنما بالمشروع السياسي المقبل… وللحديث تتمّة.