قرأنا في اليومين الأخرين كما هائلا من التحليلات والتوصيفات والتوقعات والمخاوف التي ظهرت بعد اعلان الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي وخروج تيار المستقبل ولو بصورة مؤقتة من واجهة الحياة السياسية والعامة في لبنان.
معظم التحليلات تأرجح بين مؤيد يعتبر ان الرجل “بق البحصة” التي وعد بها أهل بلده منذ سنوات طويلة وبين معارض آخذ على الحريري انصياعه لتعليمات الخارج بصورة تامة.
وبدت المقارنات كثيرة ومتعددة بين المرحلة الحالية ومرحلة العام 1992،اي تاريخ العزوف المسيحي، وبين خطاب الابن والأب الشهيد رفيق الحريري الذي استودع يوما الله بلدنا الحبيب.
كما ظهرت الآراء المختلفة حول وراثة الشارع السنيّ وتوجهاته ونسجت حول المسألة تصورات وسيناريوهات قد تكون في معظمها من نسج الخيال أو من حلم يريده البعض ان يمسي حقيقة.
ولا بد ايضا من التوقف عند آراء اهل البيت من السياسيين الذين ودعوا زميلا لهم كانوا قد اعتقدوا انه سيستمر برفقتهم لأيام طوال ولربما سيخوض برفقتهم مزيدا من المعارك التي تأخذ تارة طابع السيادة وتارة أخرى طابع الميثاقية والمحافظة على العيش الواحد الا انها في جوهرها تغرّد في سرب آخر لا يمت الى الطابعين المذكورين بأي صلة.
على أي حال، نستعرض النقاط السابقة للدلالة على أهمية الحدث وعلى ارتداداته التي قد لا تبدو ملموسة في القريب العاجل لكنها ستظهر تباعا دون ادنى شك، فالخطوة يضعها البعض في خانة الاعلان عن بداية المسار الفعلي لخلق اطار عام أو نظام جديد يكون بديلا “للطائف” الذي باتت عناصره غير مكتملة.
وفي هذا الصعيد، يبدو الكلام عن البدائل ضروريا لا بل ملحا جدا، اذ ان حالة المعارضة للمعارضة ولرفع الصوت والصراخ والشتم عبر الشاشات أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد محببة عند الشريحة الأكبر من اللبنانيين، الذين باتوا مقتنعين انه لا بد من وجود جهة معينة او طرف معين ليقدم مشروعا واضحا وأشخاصا يتمتعون بصفات الصدقية والمعرفة والعلم والقدرة على العمل والانجاز.
وهنا لا بد من استحضار ثورة “17 تشرين” التي كان لا بد لها من ان تكون البديل الذي سيخلق لبنان الجديد، لكن ومع الأسف ما زالت هذه الثورة تدور في فلك الصراخ والشتائم ولم تأخذ طريقها نحو التنظيم وفرض المشروع والشخصيات.
كثيرون قد لا يوافقون على هذا الكلام وقد يعتبرونه اجحافا بحق ” 17 تشرين”، من هنا نسأل وبجدية مطلقة، بحال أطلت مختلف الأحزاب والتيارات السياسية على اللبنانيين وأخبرتهم انها اعتزلت العمل السياسي أو علّقت مشاركتها في الانتخابات النيابية المقبلة، كيف سيبدو الواقع؟ وأين يمكن للمواطن ان يبحث عن البدائل أكان على صعيد الأفكار والمشاريع اوعلى صعيد الشخصيات؟ مع العلم ووفقا للمهل الدستورية، ان أشهرا قليلة تفصلنا عن الانتخابات النيابية التي من المفترض ان تجري في الربيع المقبل.
للاجابة على بعض التساؤلات، تحدث الأمين العام لجبهة المعارضة اللبنانية زياد عبد الصمد لـ “لبنان 24″ مؤكدا ان ” انسحاب الحريري من الحياة السياسية ومعه مكوّن لبناني أساسي وفرضية انسحاب اي طرف من أطراف السلطة من الحياة السياسية يشكل تحديا كبيرا للقوى المعارضة.كما ان خروج الحريري سيؤدي الى خلل وتصدع داخل المنظومة الحاكمة بشكل عام، لذلك لا بد لنا من الانتظار حتى نتمكن من اكتشاف النتائج التي سيؤدي لها هذا الخروج”.
أضاف ” نحن في لحظة تاريخية للعمل السياسي في لبنان، لذلك على القوى المعارضة ان تنظم وتوّحد صفوفها لخلق جبهة موّحدة تتمكن من الوصول الى الحكم عبر الانتخابات النيابية بحال حصلت او تعمل على خلق جوّ معارض يستطيع ان يشكل رأي عام ضاغط ومؤثر.
ولا بد من التأكيد ان ما حصل يرتب مسؤولية كبيرة على القوى المعارضة، فالتنوع الذي شهدناه في صفوفها مع بداية “ثورة 17 تشرين” والذي شكل صورة جميلة عن الموزاييك اللبناني ، بات يشكل خطرا وضررا ان لم تتم ادارته بشكل جيد”.
واعتبر عبد الصمد ان ” مختلف اطراف المعارضة يدركون صعوبة المواجهة التي تنتظرهم، لذلك يسعون جاهدين الى توحيد صفوفهم، لكن الاشكالية تكمن في كيفية توحيد الصفوف في ظل غياب برنامج موّحد؟
من هنا الدعوة للجميع للبحث عن النقاط المشتركة الكثيرة والمتعددة والمتمثلة في الرغبة باستعادة الدولة وتحقيق الاصلاح الاقتصادي والسياسي، وللتخلي عن التباينات والاختلافات التي تتحول الى تفصيل في ظل الدور المهم الذي يمكن ان تلعبه المعارضة”.
ويختم عبد الصمد مشيرا الى ” جهوزية القوى المعارضة والى غنى المجتمع اللبناني بالكفاءات والنخب التي يمكن لها ان تملأ اي فراغ ممكن، فالخوف الحقيقي هو ليس من انسحاب اهل السلطة، بل من تمسكهم الدائم بمراكزهم وكراسيهم”.
المصدر: خاص “لبنان 24”