جاء في “أخبار اليوم”:
يبدو ان مخطط منصة نتفليكس بإثارة الجدل في العالم العربي من خلال انتاجاتها العربية الخاصة ما زال ناجحاً بعد ثلاث سنوات على بدء تنفيذه. عام ٢٠١٩، تسبب “جنّ”، اول مسلسل عربي من انتاج نتفليكس، في زوبعة من الانتقادات في الأردن حيث صُوّر، ما لبثت ان امتدت الى دول عربية أخرى واتاحت له حملة إعلانية مجانية علماً ان العمل لم يكن مختلفاً كثيراً في مستواه ولا في مضمونه عن أي من مسلسلات المراهقين الاجنبية المتوفرة اصلاً على المنصة. العام الماضي، جدل جديد انطلق من الأردن وامتد الى العديد من الدول العربية على خلفية مسلسل آخر للمراهقين من انتاج نتفليكس بعنوان “مدرسة الروابي للبنات” ومجدداً نالت المنصة الضجة التي كانت تسعى اليها ليسمع الناس بالعمل ويدفعهم فضولهم لمشاهدته. الخميس الماضي، أطلقت المنصة العالمية اول فيلم عربي من انتاجها وهو “أصحاب ولا اعز” الذي أصبح بعد ساعات من طرحه في 190 دولة، مدبلجاً إلى ثلاث لغات ومترجماً بـ 31 لغة، الأكثر مشاهدة على نتفليكس في بلدان عربية عدة من بينها لبنان ومصر، وهما بلدا نجوم الفيلم: المصرية منى زكي، اياد نصار (الأردني لكن المحسوب فنياً على مصر) واللبنانيون نادين لبكي وجورج خباز وعادل كرم وديامان أبو عبود وفؤاد يمين، ومثيراً اعصاراً من الاخذ والرد والهرج والمرج على السوشيل ميديا.
توليفة الفيلم كانت مضمونة النجاح، اذ تم تجريبها في ١٦ نسخة سابقاً، وبعد النسخة العربية هذه ورقمها ١٧، دخل الشريط موسوعة جينيس ليصبح أكثر فيلم جرت إعادة صناعته في تاريخ السينما (الفيلم الأصلي الإيطالي يحمل إسم Perfect Strangers وقد صدر عام 2016).
يصوّب “أصحاب ولا أعزّ” على الطريقة التي استحوذت من خلالها الهواتف الذكية على حيواتنا، وباتت “خزنة” الأسرار بالنسبة للجميع. تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من سبعة أصدقاء يجتمعون على العشاء، ويقررون أن يلعبوا لعبة حيث يضع الجميع هواتفهم المحمولة على الطاولة، بشرط أن تكون كافة الرسائل أو المكالمات الجديدة على مرأى ومسمع من الجميع. وسرعان ما تتحول اللعبة التي كانت في البداية ممتعة وشيقة إلى وابل من الفضائح والشؤون الخاصة والحميمة التي تنكشف واحدة تلو أخرى.
النسخة اللبنانية المصرية أتت جيدة في أداء ممثليها أما الإخراج فحاول أن يكون مختلفاً في طريقة تصوير الأحداث، التي كان الغالب عليها في نُسَخٍ أخرى، ثبات الكاميرا مع تحريكها قليلاً بحسب تصاعد التوتر في الجو. هنا كانت الكاميرا متحركة على الكتف طوال الوقت مع تقطيع سريع في المونتاج، وقد نجح المخرج وسام سميرة جداً في ما فعل خاصة أنه فيلمه السينمائي الأول بعد تجارب عديدة في عالم الفيديو كليب. تعريب النص الأصلي الذي تولّاه سميرة بالتعاون مع الممثل غابريال يمين، جاءت نتيجته سلسة بمصطلحات واقعية، تعكس أجواء هكذا نوع من اللقاءات والمواقف. وبدا لافتاً ان صوت الممثلة ريموند عازار التي لعبت في مشهد واحد دور والدة اياد نصار المصرية جرت دبلجته من قبل ممثلة مصرية، في سبيل جعل النطق باللهجة المصرية أكثر اقناعاً للمشاهد.
في مقابل الثناء من قبل اعلاميين ومغردين كثر على الفيلم الذي يعدّ أوّل إنتاجات شركة Front Row في إطار اتفاقية الشراكة التي وقّعتها العام الماضي مع نتفليكس لإنجاز باقة من الأفلام العربية (شاركت في انتاج العمل كل من Film Clinic وEmpire Entertainment وYalla Yalla )، خرجت أصوات بعض المدافعين عن “الاخلاق الحميدة وقيم المجتمع والدين” لتستنكر ما وصفته بالألفاظ البذيئة والخادشة للحياء الواردة في الحوار، ووجود شخصية مثلية، الى جانب المشهد الذي تخلع فيه المصرية منى زكي سروالها الداخلي (من دون ان نرى ذلك فعلاً)! وفي مصر، تقدم الدكتور أحمد خليل خيرالله رئيس الهيئة البرلمانية لحزب النور، ببيان عاجل لرئيس مجلس النواب، بشأن العمل مدعياً انه يتنافى مع قيم المجتمع المصري، ومطالبًا بتحريك دعوى من النائب العام ضد المشاركين المصريين في هذا الفيلم بتهمة التحريض على الفسق، وطالب الحكومة بحجب تطبيق نتفليكس من مصر، كما طالب نقابة المهن التمثيلية بوقف كل من شارك من المصريين في هذا العمل المشين ومنعهم من العمل…
باختصار، وبعيداً عن الآراء المتحجرة بالعمل، “أصحاب ولا اعز” ليس تحفة فنية طبعاً بل شريط يستحق المشاهدة لكن لا يستحق اطلاقاً الجدل الذي اثاره، انما الأكيد ان هذا الجدل ساهم في انتشاره ودفع –وسيدفع- عشرات الالاف لمتابعته وهذا امر مفرح عندما يكون العمل محور الجدل عملاً جيداً.