بين ترقّب وترقّب، يتابع مسار التشويق والإثارة شق طريقه على مسار الأحداث اللبنانية، ليصبح أشبه بنمط حياة يفرض إيقاعه عنوةً على اللبنانيين فيبقيهم “على أعصابهم” ترقباً للحدث التالي… ضمن سياق متاهة لامتناهية أدخلتهم بها السلطة وجعلتهم أسرى حلقاتها المفرغة من “اللف والدوران” حول مسارب الأزمة وتشعباتها.
فعلى المستوى الحكومي، يستأنف مجلس الوزراء صباحاً جلساته بعد طول ترقب وانتظار ليصبح خبر انعقاده هو “الحدث” بحد ذاته، وستتم تغطية وقائعه من زاوية “الإنجاز” الحكومي بعد رفع “الفيتو الشيعي” عن انعقاده. أما على المستوى السياسي فتتجه الأنظار عصراً إلى بيت الوسط ترقباً لموقف الرئيس سعد الحريري الانتخابي وحسم مسألة عزوفه عن الترشح ومسبباته، بينما على المستوى الرسمي فسيبقى الترقب سيّد الموقف حتى تقديم لبنان “جوابه النهائي” على الرسالة الخليجية والتي حملت في مضمونها ما مفاده باختصار: إحزموا أمركم، فإما أن تكونوا دولة طبيعية تحت سقف الشرعيتين العربية والدولية، أو “دويلة” عدائية خارجة عن القانون والأعراف الديبلوماسية والقرارات العربية والدولية.
وإذ أمهلت الدول الخليجية الجانب اللبناني 5 أيام لتقديم إجابات واضحة ومباشرة حيال النقاط الواردة في الرسالة التي نقلها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح إلى المسؤولين اللبنانيين، تمهيداً ليحمل وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب هذه الإجابات معه إلى الكويت في 29 الجاري، فإنّ الأيام الفاصلة عن هذا الموعود ستشهد مشاورات رئاسية مكوكية بين قصر بعبدا وعين التينة والسراي الكبير لبلورة صيغة الرد اللبناني الرسمي على الرسالة الخليجية، وسط إرباك جلي طغى خلال الساعات الأخيرة على أجواء أركان السلطة إثر مباغتتهم بسلة متكاملة من المطالب العربية لا تستثني وجوب تطبيق القرار 1559 الذي ينصّ على حصر السلاح بيد الدولة وأجهزتها الشرعية، لا سيما وأنّ المعلومات المتواترة من دوائر الرئاسة الأولى كشفت أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي كان عرّاب القرار 1559، سارع أمس إلى التنصل منه أمام الضيف الكويتي مبدياً تحفظه بشكل غير مباشر على مطلب نزع سلاح الميليشيات في لبنان، في إشارة إلى استحالة حل مشكلة سلاح “حزب الله” باعتبارها مشكلة إقليمية أكثر منها لبنانية.
وكان الصباح قد أكد إثر جولته على الرؤساء الثلاثة أنه يحمل “رسالة كويتية، خليجية، عربية ودولية، كإجراءات وأفكار مقترحة في سبيل إعادة بناء الثقة بين لبنان ودول الخليج”، موضحاً أنها تنطلق في جوهرها من “اتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية والقرارات الأخرى السابقة لجامعة الدول العربية”، مع مطالبة لبنان بالتزام سياسة “النأي بالنفس” وألا يكون “منصة لأي عدوان لفظي أو فعلي” باتجاه العرب ودول الخليج.
وفي تفاصيل الرسالة الخليجية، توزعت بنودها بين مطالبة الحكومة اللبنانية بتنفيذ إصلاحات جذرية تشمل جميع القطاعات ولا سيما منها قطاع الكهرباء ومكافحة الفساد وضبط الحدود والمعابر، والالتزام باستكمال تنفيذ اتفاق الطائف، وتطبيق قرارات مجلس الأمن 1559، و1701، و1680، وتعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، وحصر السلاح بيد مؤسسات الدولة، ووقف العدوان اللفظي والعدائي ضد الدول العربية والخليجية، وضمان ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع استقرار وأمن المنطقة العربية أو مقراً وممراً لتصدير المخدرات إلى الدول العربية.
تزامناً، فاقم مشروع الموازنة العامة للعام 2022 الهواجس والخشية من تردداته السلبية على الساحة الوطنية، فبرز في هذا السياق تحذير البطريرك الماروني بشارة الراعي عشية بدء مجلس الوزراء مناقشة المشروع من “تمرير قرارات مالية في الموازنة أشبه بسلسلة رتب ورواتب جديدة مقنّعة”. في حين لاقت تسريبات الموازنة موجة اعتراض شعبية عارمة شهدت أمس تظاهرات ميدانية أمام مصرف لبنان تنديداً بتوجه السلطة إلى تحميل المواطنين والمودعين أعباء إضافية في ميزان حساب الخسائر، فضلاً عن كون مشروع الموازنة يلحظ اعتماد سياسة التقسيط والإعفاءات تجاه الفئات الميسورة والغنية مقابل فرض رسوم مقنعة على عامة الناس من شأنها أن ترفع مستوى الغلاء والتضخم.
أما على الحلبة السياسية، فسيشكل مشروع موازنة 2022 محور معارك ضارية جديدة بين “التيار الوطني الحر” من جهة، و”حركة أمل” المرجعية السياسية لوزير المالية يوسف خليل، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من جهة أخرى، على أنّ هذه المعارك ستُستخدم بعض عناوينها كذلك من مختلف الاطراف السياسية كأسلحةً في ميدان الانتخابات النيابية المزمعة في 15 أيار المقبل، وفي المواقف من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
لكنّ الأخطر بالنسبة لمصادر مالية كان المطالبة بمنح وزير المالية “صلاحيات استثنائية” لمدة عامين، باعتباره يعكس تحضيراً واضحاً لمرحلة دخول البلد في فراغ تنفيذي ورئاسي في حال تعطيل الانتخابات النيابية والرئاسية منتصف ونهاية العام الجاري، معتبرةً في الوقت نفسه أنّ “أرنب” الصلاحيات الاستثنائية يريد من خلاله “الثنائي الشيعي” الربط المباشر بين “الإصلاح والصلاحيات” تحت طائل اعتبار كل من يعارض منح وزير المالية صلاحيات مالية استثنائية معرقلاً لمسيرة الإصلاح والإنقاذ.
نداء الوطن