رحبّت منظمة “كلنا إرادة” بتدخل صندوق النقد الدولي، وما يمكن أن يمارسه من دورٍ مفصليّ لحلّ الأزمة الاقتصادية في لبنان غير أنّها عبّرت عن قلقها الشديد والرفض التامّ “لأيّ اتفاقٍ يساوم على المبادئ، ويهدّد عدالة وفعاليّة أيّ برنامج إصلاحي مرتقب.
1. إطار شامل ومستدام: في مقاربتها للأزمة الراهنة، أمعنتْ السلطة باعتماد إجراءاتٍ مجتزأة، قصيرة الأمد، أثبتت عدم فعاليتها، وكرّست المزيد من الإجحاف. لذلك، فإنّ أيّ خطة تحمّل اللبنانيّين واللبنانيّات عبء ديونٍ إضافية، يجب أن ترتكز على برنامجٍ ماليّ ونقديّ واضحٍ وشامل، على أن يترافق ذلك مع إصلاحاتٍ أساسيّة لإعادة بناء المؤسّسات، وخلق بيئةٍ تنظيميّةٍ محفّزةٍ للاستثمارات، وضمان الحقوق الاجتماعية الأساسية للمواطنين.2. نظام سعر صرف موحّد وحاكميّة جديدة للمصرف المركزي: يُعدّ توحيد أسعار الصرف المتعدّدة الموجودة حاليًّا، شرطًا أساسيًّا لإعادة بناء السياسة النقدية، بعيدًا عن سياسة سعر الصرف الثابت، كما مرتكزًا لتحقيق السيادة الاقتصادية. وفي هذا السياق، من الضروري أن تُسند مهام إعادة هيكلة المصرف المركزي، إلى إدارةٍ جديدة تعمل على تكريس مفاهيم الحوكمة الرشيدة والشفافية وإعادة الثقة والمصداقية على رأس النظام المصرفي.
3. إعادة هيكلة الدين: تُعدّ إعادة هيكلة ديون كلّ من الدولة والنظام المصرفي والمصرف المركزي من المتطلّبات الضرورية لأيّ برنامج يتطلّع نحو تحقيق التعافي والاستقرار. في هذا السياق، من الحتميّ تحقيق خفضٍ كبير في الدين العام، بما يسمح بإعادة توجيه الإنفاق العام نحو البرامج الاجتماعية والبنى التحتية والاستثمارات المحفّزة للنمو.
4. إصلاح شامل للقطاع المصرفي عبر هيئةٍ مستقلة: إنّ إرساء نموذجٍ مصرفيّ جديدٍ يتطلّب وضع إطارٍ تنظيميّ وقانونيّ يشمل إلغاء السريّة المصرفيّة، تحديد الحجم المناسب للقطاع المصرفي وتوفير الحوافز اللازمة لحثّ المصارف على دعم النمو، على أن يُعهد بمسار إعادة هيكلة القطاع المالي إلى هيئةٍ مستقلة.
5. خسائر مساهمي المصارف: انطلاقًا من أولويّة التوزيع العادل للخسائر، نؤكّد رفضنا للاستراتيجية الحالية القائمة على تحميل الشعب كلفة الخسائر المالية، في حين يتمّ استبعاد الحلول الإنقاذيّة. وعليه، فمن الضروري توزيع الخسائر بدءًا من رؤوس أموال كبار المساهمين، وذلك بما يتوافق مع المعايير المعتمدة دوليًّا.
6. استخدام الأصول المتبقية: تُعتبر الأصول العامّة، سواء كانت أراضٍ وملكيّات عقاريّة، أو مؤسّساتٍ مملوكة من قبل الدولة، موارد استراتيجيّة ينبغي استخدامها لضمان الحماية الاجتماعية و التعافي الاقتصادي. إذ لا يمكن استخدام هذه الأصول لتعويض الخسائر في القطاع المصرفي، خصوصًا في ظلّ التركيز الشديد للثروة والدخل (13٪ من الحسابات المصرفيّة تمتلك 90٪ من الودائع). أمّا بالنسبة لأصول الذهب (الموجودة حسابيًّا في ميزانية المصرف المركزي)، فمن الممكن تخصيصها جزئيًّا، في سياق خطةٍ شاملة، لحماية مدّخرات فئاتٍ معيّنة من صغار المودعين.
7. حماية صغار المودعين وصناديق التقاعد: إلى جانب توزيع الخسائر بشكلٍ تدريجيّ من أجل حماية صغار المودعين، من الضروري حماية الودائع المرتبطة بصناديق التقاعد (الاتحادات العمّالية، النقابات المهنية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وما إلى ذلك)، والتعاطي معها كجهاتٍ دائنة ذات الأولويّة.
8. التدقيق في أنشطة القطاع المالي والمصرفي: عملًا بمبدأ المحاسبة، من الضروري إخضاع حسابات جميع مساهمي المصارف للتدقيق المالي الجنائي، تمامًا كما حسابات أعضاء مجالس الإدارة كافّة، وأعضاء الإدارة العامّة للمؤسّسات المالية والمصرف المركزي، وكذلك الجهات السياسية النافذة، وأولئك الذين ربطتهم بالحكومات المتعاقبة عقود رئيسية، وذلك لكشف أيّ هدر أو أرباح غير مستحقة تمّ تحصيلها. كما ينبغي التأكّد من حقيقة إقدام البعض على تحويل الأموال إلى الخارج بعد تشرين الأول 2019. فالتدقيق الجنائي يساهم في وضع حدّ لثقافة الإفلات من العقاب، وهي الثقافة السائدة منذ صدور قانون العفو العام الذي أعقب الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990). كما أنّه يتماشى مع التزامات لبنان الدولية في مكافحة عمليّات تبييض الأموال والتهرّب الضريبي والاختلاس.
9. سياسة مالية تعطي الأولويّة للنمو والحماية الاجتماعية: على الإصلاحات الماليّة أن تضع حدًّا لسوء الإدارة المستشري، وأن تضمن توجيه الإنفاق العام نحو الخدمات الاجتماعية ومرتكزات النمو، كالاستثمار في:
وفي هذا السياق، فإنّ المحادثات المرتقبة تُلقي على عاتق صندوق النقد الدولي مسؤوليات متعاظمة، بحيث يمثّل تدخّل الصندوق في الأزمة اللبنانية نقطة تحوّلٍ جوهريّة، لا ينبغي، بأيّ حالٍ من الأحوال، أن يساهم عبرها الصندوق في زيادة تراكم الديون غير المستدامة، وتعويم سلطةٍ فاقدةٍ للشرعية والمصداقية، لا سيّما قبل الانتخابات النيابية المقبلة.
النهار