لم يعِ الكثير من اللبنانيين خطوة مصرف لبنان قبل اسبوعين القاضية بتعديل التعميم 161 وإضافة بند يجيز للمصارف سحب المزيد من أرصدتها بالعملة الاجنبية من دون سقف، وبيعها للجمهور على سعر منصة “صيرفة” المتحرك، الى ان انعكس ذلك ايجابا على سعر الصرف. فقد انخفض سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازية من نحو 32 ألف ليرة لبنانية الى أقل من 23 ألف ليرة لحظة كتابة هذه السطور. كيف حصل ذلك؟ وما الأسباب التقنية التي ضغطت على الدولار وأنعشت الليرة قليلاً؟ وما مدى الجدوى الاقتصادية والمالية التي تحققت من هذا الاجراء؟
في عملية حسابية بسيطة، تبين من خلال النشرات التي يصدرها مصرف لبنان عن حجم التداول اليومي عبر منصة “صيرفة”، أنه باع عبرها الى الجمهور والمصارف، ما يقارب الـ 300 مليون دولار خلال 12 يوماً، بمعدل وسطي 24 مليون دولار يوميا، وبمتوسط سعر تقريبي 24200 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي، بما مكّن مصرف لبنان من امتصاص نحو 7 تريليونات ليرة من الكتلة النقدية الاجمالية قيد التداول M0 وبمتوسط يقارب 600 مليار ليرة لبنانية يوميا.
هذه الكميات الضخمة من الليرة التي استُرجعت الى خزائن مصرف لبنان، مكّنته من خفض #التضخم في السوق المالية بنسبة 16.6% تقريبا خلال 12 يوما. كما ساعدت عملية تقلص الكتلة النقدية المتداولة في كبح الاقبال على شراء الدولار وتحجيم سعره في السوق الموازية ليقترب بشكل كبير من سعر منصة “صيرفة”، بما طرح تساؤلات حول أهداف التعميم. فإضافة الى لجم ارتفاع الدولار، هل ستكون الخطوة التالية توحيد سعر صرفه مع سعر “صيرفة”، وهل يمكن ذلك تقنياً؟ وهل تسمح احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية ووارداته بالاستمرار في هذه العمليات؟
إنخفاض سعر الصرف، وهبوط مستوى التضخم، يعنيان وفق المتابعين أن آفة طبع العملة الجديدة أصبحت وراءنا، وأن لا مزيد من التضخم بعد اليوم، كما أن عودة مصرف لبنان الى التحكم والتأثير بسعر الصرف، سيساهمان مرحلياً في عودة الإنتظام الى الأسواق المالية، في انتظار ما ستؤول اليه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والاتفاق معه على الخطوط العريضة لعملية النهوض.
فاذا كان ضخ ثلث مليار دولار إلا قليلا تقريباً، في السوق وبين أيدي الموظفين الذين سُمح لهم بموجب التعميم بقبض رواتبهم من المصارف على سعر منصة “صيرفة”، استطاع لجم تدهور الليرة، فهل سيتم استخدام مليار دولار في الأشهر المقبلة لـ”تهبيط” الدولار أكثر الى مستوى مقبول من الحكومة اللبنانية، والمؤسسات الدولية، وبالموازاة سحب 15 تريليونا إضافية من الليرات لخفض التضخم الى النصف تقريبا؟
الإجابة عن هذه الاسئلة قد تكون في فذلكة الموازنة العتيدة، وقدرة الحكومة على التنسيق مع مصرف لبنان، في مشاريعها وقراراتها المالية، تجنباً للتناقض في الخطوات والآليات، وخصوصاً حيال مسألتَي تعدد أسعار الصرف، وتمويل المساعدات الاجتماعية الشهرية التي ستُمنح لموظفي القطاع العام والاسلاك العسكرية كبديل من زيادة الأجور حالياً، ومدى استعداد الحكومة لتجرّع سُمّ تعديل الدولار الجمركي، ورفع أسعار الكهرباء والاتصالات والقيمة المضافة، والسير بالخصخصة، لإعادة التوازن الى المالية العامة، تلبية لمطالب صندوق النقد، واستجداءً للمساعدات الدولية الموعودة
النهار