بعد تعطيلها لأشهر مضت، تستعدّ الحكومة لاستئناف عقد جلساتها الأسبوع المقبل انطلاقاً من مناقشة الموازنة العامة، على أن تتم بعدها مناقشة خطّة الإنقاذ الاقتصادية. وفي الإطار، ترى أوساط اقتصادية أن الحكومة تضع العجلة قبل الحصان في معالجة الأزمة الاقتصادية، إذ كان من المفترض إنجاز الخطّة الاقتصادية بالتنسيق والتعاون مع صندوق النقد والبنك الدولي ومن ثم توضع الموازنة التي عادةً ما تكون ترجمة لخطط التعافي، لكن في لبنان وبما أن الأفرقاء السياسيين عاجزون عن الاتفاق على خطّة مع الإصلاحات وتوزيع الخسائر، فسيتم العمل على تمرير الموازنة أوّلاً.
“المركزية” سألت الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة عن مدى دقّة وجهة النظر الاقتصادية المذكورة آنفاً، فاعتبر أن “في لبنان لا نتحدّث عن خطّة بل عن رؤية، حتّى لو اتّجهنا إلى صندوق النقد، وتكون إجمالاً لسنوات مستقبلية معدّلها الوسطي 5 سنوات، أما الموازنة فتكون لفترة سنة، لذا من الطبيعي إعداد الرؤية وإدراج الموازنة ضمنها. إلا أننا وصلنا إلى مرحلة بات فيها الطبيعي غير طبيعي، والوقت يداهمنا والبلد في حشرة لذا لا داعي للمجادلة في الموضوع. المطلوب إعداد موازنة منطقية لم نر أيا من ملامحها بعد”.
ولفت حبيقة إلى أن “أهمّ نقطة في سيرة اللاعبين السياسيين الذاتية هي انعدام الرؤية لديهم، فمن أين نأتي بها؟ في حين يجب أن تصدر عن أشخاص لديهم كفاءة وعلم وأفق. في الرؤية يؤدي المنطق دوراً أساسياً وفي لبنان كلّ العناصر المطلوبة لإرسائها غير موجودة، البلد في حالة ضياع وفي أتعس أيامه منذ خمسة عقود، والمسؤولون هم من أوصلوه إلى هذه المرحلة”.
وعن النقاط الأساسية المفترض أن تلحظها الموازنة حسب حاجات البلد، شرح حبيقة أن “التفاصيل كثيرة والموضوع متشعّب ويطول لأن الموازنة مشكّلة من فصول متعددة كلّ واحد يحتاج إلى عمل إصلاحي على حدة. في شكل عام وبإيجاز، من الملحّ ترشيد الإنفاق ووقف الهدر في كلّ وزارة على حدة، وتخفيف حجم القطاع العام وزيادة الإنتاجيّة فيه، أما الشراكة بين القطاعيين العام والخاص فتأتي في مرحلة لاحقة. وبالنسبة إلى الضرائب والإيرادات يجب توزيعها حسب قدرة الناس على دفعها فاعتدنا في لبنان على التصويب على الطبقة المتوسطة وما دون، من دون تقاضي نسبة عادلة من الأغنياء. طبعاً يجب أيضاً إدخال الإصلاحات الهيكلية على العديد من القطاعات مثل الكهرباء، التربية، البنى التحتية…”، مشيراً إلى أن “الأجواء لا توحي بأرقام مريحة للموازنة المتوقّع صدورها”.
وفي ما خصّ إقرار الدولار الجمركي، شرح أن “من غير الطبيعي أن يكون 1500 ليرة لبنانية في الوضع الراهن والأكيد أنه سيرتفع لكن مع الموازنة كلّها أي أنها ستلحظ دولاراً جديداً في الإنفاق والإيرادات يكون أكثر واقعيةً لكنّه صعب على المواطن بعد أن تراجع مدخوله. من جهة أخرى، العمل بدولار جمركي قيمته 20000 ليرة سيرفع أسعار البضائع المستوردة، لكن هل لدينا إنتاج محلّي للتعويض؟ فإن كان لدى الصناعة بدائل لا تهمّ قيمة الدولار الجمركي مهما كانت. لذلك، المشكلة الأساسية تتمثّل بعدم تحسين إدارة القطاع العام بمجملها، والحلّ لا يكون ترقيعيا وآنيا على غرار ما نراه”.
المركزية