عاد لبنان يُستعمل كمُختبر للتجارب السيئة، لكن أيضاً للمرونة والريادة والنجاح، فها نحن مجدداً تحت الأضواء والخلافات والتجاذبات لإستعمال هذا الوطن كمختبر على جميع الأصعدة.
إذا اردنا أن نتذكر ونذكّر باستعمال هذا الوطن إيجابياً، نفخر بالرسائل والنجاحات والإبتكارات التي صدّرناها إلى جميع أنحاء العالم. لكن في هذا البلد الصغير مساحة والكبير بأفعاله، علّمنا ودرّبنا أهم الموارد البشرية في العالم، وصدّرنا أهم الرياديين واخترعنا أفضل الأفكار والإبتكارات التي جالت جميع أنحاء العالم منذ عقود.
اليوم، هذا المختبر بات موجوداً على خط التماس، وأمامه محطات وخيارات كبيرة حيال بناء الإقتصاد الجديد، والانماء المرتقب. لا شك في أن أركان الإقتصاد التي اعتُمدت في العقود الأخيرة إنهارت، وعلينا أن نبني مفهوماً جديداً للإقتصاد الذي نريده للبنان.
الخيار الأول: هل سنبقى مُتّكلين على الإقتصاد الأبيض والشفّاف، المرتكز على الإقتصادات الدولية، فيعود لبنان منصة الحضارات والتبادل التجاري؟ أم سنبقى رهائن الإقتصاد الأسود، وهو اقتصاد «الكاش»، بعيداً من المنصّات والمراقبة الدولية؟ وهذا هو أخطر خيار وأسوأ اقتصاد في العالم، المُستعمل لتمويل الإرهاب والسلاح والحروب وتهريب المخدرات والممنوعات؟
الخيار الثاني: لا نستطيع البدء بأي إصلاح أو استراتيجية إقتصادية قبل توحيد سعر الصرف بمنصة رسمية تحت المراقبة، من دون ذلك سيكون لدينا 6 إلى 7 أسعار صرف، وسنكون تحت رحمة السوق السوداء المشبوهة، والمافيات المدمّرة التي تتلاعب بحياة اللبنانيين ومصيرهم.
الخيار الثالث: بات علينا أن نُنمي ونتّكل على القطاع الصناعي، الذي من جهة، سيؤمّن قسماً كبيراً من حاجاتنا الأساسية، ومن جهة أخرى على هذا القطاع أن يُحافظ على جودة صناعته وفق المعايير الدولية لتصدير سلعه إلى العالم أجمع، وأيضاً ان يُنفذ حوكمة رشيدة لبناء شراكات واندماجات دولية لتمويل تطويره، ولاستقطاب سيولة أجنبية إلى بلدنا وفي سوقنا المحلية.
الخيار الرابع: في الإستيراد، على التجار التركيز والتعامل مع بلدان لا تتكل أساساً على العملات الصعبة كي تستطيع استيراد السلع الجديدة للبنان بأسعار منخفضة تتماشى مع القيمة الشرائية وقدرة اللبنانيين ونسبة عيشهم.
الخيار الخامس: لا شك في أن الدولة والقطاع العام لن يستطيعا أن يُديرا ويُموّلا مؤسساته الحيوية، وليس لهما الإمكانية لصيانة معدّاتها ودفع كلفتها التشغيلية. فهناك خيار مصيري، أما الإتجاه إلى الخصخصة التي ستكون خطيرة جداً في هذا المناخ، حيث الذين دمّروا مؤسسات الدولة سيتراكضون ويتنافسون لشرائها بأسعار بخسة. فالحل والخيار الملائم بالذهاب إلى ما يُسمّى بالـ BOT، BUILD OPERATE TRANSFER والتي تعني البناء والتشغيل والتحويل، مع الشركات الداخلية والخارجية التي ستستثمر وتدير وتؤمّن أفضل الحاجات لخدمة اللبنانيين، لكن تبقى الملكية للدولة وللشعب اللبناني.
نختم ونقول: إن سنة 2022 ستكون سنة الخيارات المصيرية، إما نبني دولة قانون ومؤسسات وإستراتيجية واضحة وشفافة على المدى القصير، المتوسط والبعيد، وإما نبني دولة الفساد والإقتصاد الأسود تحت رحمة المافيات والذهاب الى المجهول.