لعب الدولار بشكلٍ غير مسبوق في سوق القطع بحيث انخفض حوالي 6000 ليرة مرة واحدة، وعاود ارتفاعه ليستقر عند حوالي 27500 ليرة. وفيما هبط الدولار فجأة حتى وصل إلى حوالي 26000 ليرة، بحسب أحد الصرافين في الحمرا، بعد أن لامس الـ32000 حتى أمس، ما هو سبب هذه التقلبات السريعة في يوم واحد؟ في الآتي، ٣ خبراء يحلّلون هذه التقلبات القياسية.
تقلّبات سعر الدولار تخضع لثلاثة عوامل أساسية أوّلها العرض والطلب، وثانيها حجم الكتلة النقدية بالدولار الحامية لليرة. أمّا العامل الثالث، فهو التلاعب. وبعد أن نفد الاحتياطي الإلزامي بالدولار، وبعد سلسلة تعاميم أصدرها المركزي آخرها التعميم 161، وهو أول تعميم غير تضخّمي، يرجّح البعض أن يكون سعر الصرف قد انخفض بموجب التعديل الذي طرأ على هذا التعميم. لكن الخبير المصرفي والمالي، نيكولا شيخاني، وخلال حديث مع “النهار”، يؤكّد أنّ “هذا التعميم بتعديله، يحدّ من التضخم فقط، وما يشاع عن أثره في انخفاض سعر الصرف هو غير صحيح البتة، لأنّ الدولارات التي أُعطيت للمصارف بموجب هذا التعميم، لا يمكن أن تعكس فارق 20% ارتفاعاً أو انخفاضاً في سوق القطع”.
ما يقوم به المركزي من خلال هذا التعميم، هو ما يُسمّى بالـcash economy recycling، إذ يعطي المركزي بموجبه الدولارات للمصارف بدلاً من الليرة على سعر منصّة “صيرفة”، وعلى المصارف إعطاء الدولار للمودِع ليشعر بامتلاكه عملة قوية بيده، وهنا يلعب التأثير النفسي لديه. المودِع بدوره سيصرف الدولار هذا في السوق السوداء، ويربح فرق العملة ما بين المصرف والصراف. بذلك، المودِع يعطي الدولار للصراف، والدولار يذهب باتجاهات عديدة، قد تكون في تهريبه إلى الخارج أو إلى السياسيين للاستفادة منه في الانتخابات. لكن الأكيد، أن السوق الأولى للصرف تعود الى مستورِدي المحروقات، فمن هنا تعود هذه الدولارات إلى المركزي لأنّهم يفتحون اعتمادات الاستيراد من خلاله حصراً.
لذلك، مَن هو قادر على “هزّ” السوق بهذا الحجم، وفق شيخاني، هم إمّا الصرافون الذي يتلاعبون بسعر الصرف بالاتفاق في ما بينهم عبر التطبيقات الرقمية، إمّا المصارف التي تشتري الدولارات نظراً لقوّتها الشرائية بالدولار، إمّا مستورِدو المحروقات يشترون أكثر من حاجاتهم ليخزّنوها لأنّ أسعار النفط مرجَّحة لأن ترتفع، إمّا مصرف لبنان فيشتري الدولارات من السوق، فالتلاعب الكبير الذي يحدث في يوم واحد يضغط الشعب ويقلقه.
إذاً، “لا أحد يمكن أن يرفع أو يخفض سعر الصرف في السوق بهذا الحجم إن لم يكن قوة شرائية أو قوة تلاعبية”. ففي كل اقتصادات وأسواق العالم هناك تلاعب ما بين 10 و20%
وإذا ما احتسبنا سعر الدولار على سعر 26000 ألف ليرة، وأضفنا 20% عليها، يكون السعر 31000 ليرة. إذاً “لا شكّ في أنّ هناك تلاعباً في سعر الصرف، ويشهد سوق القطع اليوم تلاعباً بهدف الضغط على الشعب لغايات معينة، إمّا للضغط على المركزي لإجباره على استخدام الدولارات”.
لذلك، وبحسب شيخاني، “لا يمكن تحديد مسار سعر الدولار في ظل جميع ما ذُكر. فسعره اليوم هو ما بين 26000 و27000 ليرة، بناءً على كمية الليرة التي طُبعت، لكنّ المؤكّد هو أنّ التّدهور سيصبح أسرع”.
“سعر الصرف سياسي غير اقتصادي ولا نقدي”
عادةً، يعود انخفاض أو ارتفاع سعر الصرف إلى عوامل اقتصادية مالية نقدية اجتماعية. لكن “لبنان هو بلد العجائب على جميع المستويات، إذ يتم تسعير سعر الصرف على منصات غير رسمية ومجهولة المصدر، وهذه كارثة إذ حتى ليس هناك منصة سعر صرف دائم”، هذا ما يورده رئيس الاتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ، الدكتور فؤاد زمكحل لـ”النهار”.
إلى ذلك، “من غير الطبيعي أن يلعب سعر الصرف في أيام الأحد أو خلال الليل، إذ لا حركة اقتصادية أو تجارية في هذه الأثناء”، وفق زمكحل. إلى جانب أنّ سعر الصرف بتقلّباته هذه يبرهن أنه لا يتبع أيّ معايير نقدية، بدليل أنّه عندما صدر التعميم 161 مؤخراً لضخّ سيولة بالدولار، ارتفع سعر الصرف بينما كان من المفترض أن ينخفض، ومن ثمّ انخفض بشكل كبير جداً وارتفع بالسرعة نفسها. ما يعني أنّ لا علاقة له بما ضُخّ أو سُحب من سيولة من السوق، فسعر الصرف مرتبط مباشرة بالعرض والطلب، “لكن في لبنان، سعر الصرف مرتبط بقرارات وصفقات سياسية داخلية وإقليمية ودولية، وسعر الصرف في السوق السوداء بين أيادٍ سوداء خفية تتحكّم بحياة اللبنانيين”.
الدولار يصحّح نفسه
من جهتها، تورد الخبيرة في الشأن المالي والنقدي، الدكتورة ليال منصور أنّ هناك سببين لهذا الانخفاض.
الأول هو ارتفاعه السريع، والمسمّى بالـover shoot وهذا الارتفاع لم يكن طبيعياً، لذلك فهو ينخفض ليعاود الارتفاع رويداً رويداً، وهنا يقوم بعملية تصحيح لأنّ الارتفاع الكبير كان مضاربة.
وأيّ سعر حالياً تحت الـ29000 أو 30000 ليرة، هو سعر غير منطقي، ويجعل الناس يتهوّرون ويتهافتون لصرف دولاراتهم، إلّا أنّ الدولار سيعاود الارتفاع، بحسب منصور.
وفيما عاود الدولار الارتفاع إلى حوالي 27500 ليرة، في أقلّ من ساعتين على انخفاضه، تفسّر منصور أنّه كان من المفترض أن يتوقّف الدولار عند 29000 ليرة لدى انخفاضه، لكن خلال هذا الانخفاض، كثيرون هرعوا لصرف دولاراتهم خوفاً من انخفاض إضافي.
هذا الانخفاض سيعود إلى نقطة الانطلاق بعد رواج الشائعات والأخبار غير الدقيقة عن سعره، وفق منصور، “لأنّ الناس يقلّدون بعضهم في هذه الحال، ولبنان بلد صغير جداً وعاطفي، والناس يصدّقون الشائعات، وبالتالي، كلّ هذه التذبذبات تجري في يوم واحدٍ لكن صغر حجم البلد وردّات الفعل السريعة هي سبب أيضاً في هذه التقلبات”.
أمّا السبب الآخر، بحسب منصور، فهو التعديل الأخير للتعميم 161 الذي سمح للمصارف بالحصول على الدولار من مصرف لبنان بنسب تتخطى الكوتا الخاصة بها. لذلك، فإنّ التداول بالدولار أثّر على سوق القطع، لكن هذا الأمر موقت، وفق منصور، إذا كان مصرف لبنان ينوي تطبيق هذا التعديل لشهر واحد فقط. لذلك عليه تطبيق هذا التعديل بشكل مستمر لينخفض الدولار.
النهار