كثرة الجداول
تُصدِر وزارة الطاقة حالياً جدولين لتركيب الأسعار أسبوعياً -على الأقل- تحدد وفقهما أسعار المحروقات، بما يتناسب مع ارتفاع أسعار الدولار محلياً وتغيُّر أسعار النفط عالمياً. والمؤسف أن الأسعار في ارتفاع مستمر، يخرقه أحياناً بعض الانخفاض الطفيف، الذي لا يشكّل فارقاً ملموساً، كأن تنخفض الأسعار 2000 ليرة مقابل ارتفاع بما لا يقل عن 15 ألف ليرة.
معضلة الجداول تتلخّص بتأخّرها عن مواكبة ارتفاع أسعار الدولار “فوزارة الطاقة ليست هي من يحدد أسعار الدولار في السوق”، على ما يقوله البراكس لـ”المدن”. وعدم إصدار جدول جديد يلحظ أسعار السوق “يعني زيادة خسارة أصحاب المحطات”. ومن غير المنطقي برأي البراكس أن “تصدر الوزارة جدولاً كل ساعتين”.
لإظهار نتائج الفجوة بين أسعار السوق وما يحمله جدول تركيب الأسعار، يذهب البراكس نحو وقائع يوم الثلاثاء 4 كانون الثاني. إذ افتتح هذا اليوم أسعار المحروقات بارتفاعٍ لحظه الجدول الذي أصدرته الوزارة مساء يوم الإثنين. والأسعار حُدِّدَت بناءً على معدّلات مصرف لبنان، والتي تراوحت بين 23500 ليرة لحزمة الـ85 بالمئة التي يؤمّنها المصرف، و28787 ليرة لحزمة الـ15 بالمئة التي يشتري وفقها أصحاب المحطات دولاراتهم من المصرف. وبالتالي، باعت المحطات محروقاتها وفق أعلى سعر محدد. فيما وصل سعر السوق السوداء في اليوم نفسه، إلى 30 ألف ليرة، ما يدفع بالمصرف المركزي إلى رفع أسعاره من دون ارتفاع أسعار المبيع بالليرة، بالمعدّل عينه.
بالتوازي، لا تتلاءم أسعار المازوت المحدّدة بالليرة في جدول تركيب الأسعار، وبأقل من الأسعار الفعلية المقوَّمة بالدولار “ما يدفع المحطات إلى عدم بيع المازوت بالمفرّق، بل يُباع بالجملة وبالدولار. فالبيع بالليرة وبالمفرّق يعني خسارة 5 آلاف ليرة في كل صفيحة”.
التسعير بالدولار
في نهاية شهر آب 2021 بدأت تظهر بوادر رفع الدعم عن المحروقات، وارتفع سعر صفيحة البنزين إلى نحو 130 ألف ليرة، لكن الطوابير لم تتوقّف، بل زادها وصول صفيحة البنزين في السوق السوداء إلى نحو 400 ألف ليرة. فالهدف النهائي لأصحاب المحطات هو التسعير بالدولار ورفع الجعالة، أي العمولة على كل صفيحة، وهي 14 ألف ليرة حالياً.
الدولة لم تأخذ قرارها بعد حيال هذين المطلبين، ومن هنا، يصبح مصرف لبنان في الواجهة لأنه المسؤول عن تأمين الدولارات للاستيراد وفق الآلية المعتمدة حالياً. وحتى تغيير المعادلة، فإن “سياسة مصرف لبنان هي المسؤولة”. والمسؤولية تمتد إلى “عودة الطوابير إلى المحطات”. وهذه العودة لا تعني “لجوء أصحاب المحطات إلى التهديد، بل هي لفت نظر إلى ما نحن مقبلون عليه. فمصرف لبنان قد يعلن مستقبلاً عدم قدرته على تأمين الدولار للمستوردين”.
يسهل الحديث عن تسعير البنزين بالدولار، إذا ما قُورِنَ بتسعير باقي السلع في السوق “فكما قطع غيار السيارات بالدولار، فليكن البنزين كذلك، أو فليؤمّن مصرف لبنان الدولار أو يبيع المستوردين بالليرة، فيستوفون ثمن البنزين من المحطات بالليرة، فيباع للمستهلك بالليرة”.
في وداع الليرة
العودة إلى زمن الليرة بات أمنية خيالية، والأقرب للواقع هو التسعير بالدولار الذي سيخلّف مزيداً من التراجع في قدرة اللبنانيين على شراء البنزين. على أن الآثار لا تقف عند هذا الحد، بل تنعكس مباشرة على تعرفة النقل التي يطالب أهل القطاع برفعها، تماشياً مع ارتفاع أسعار المحروقات والسلع والقفز المستمر للدولار. ناهيك بارتفاع إضافي للسلع التي تهبّ صعوداً مع اشتمام رائحة الارتفاعات المتنقّلة في كل القطاعات.
القضاء على الليرة في التسعير، أمرٌ لا يستحي مصرف لبنان في الإعلان عنه، فهو المتحدّث عن الرفع الحتمي للدعم منذ بداية الأزمة وانكشاف عجزه عن ضبط سعر الدولار. وانطلاقاً من عجز أعلى سلطة نقدية، يصبح عجز المستوردين والمحطات عن تأمين الدولار منطلقاً صلباً. أما التذرّع بارتفاع أسعار الدولار بشكل إضافي مع تسعير البنزين بالعملة الخضراء، فهو من مسؤولية مصرف لبنان. وفي جميع الأحوال “إذا كان تأمين المركزي للدولار سيرفعه في السوق بمعدّل ما، فإن تأمين التجار له سيرفعه بمعدّل أعلى”.
هي جدلية مستمرة، وحلّها لا يقتصر على تأمين الدولار، بل يرتبط بحلٍّ متكامل للأزمة، غير وارد في الأفق المنظور. وأولى النتائج ستظهر في كثرة جداول تركيب الأسعار، بالتزامن مع إضرابات المحطات وتعليق خراطيمها، وصولاً إلى طوابير بوتيرة أقلّ من السابق، لتنتهي الأزمة بالدولرة.
المصدر : خضر حسان – المدن