عندما كان الخبراء او المحللون يتوقعون وصول سعر الصرف الى 30 الف ليرة او حتّى 50 الف ليرة، كانت ردّة فعل البعض مستهترة، على اعتبار انّ هذا السعر مبالغ فيه. في الحقيقة، بدأ الدولار العام 2021 على سعر 8500 ليرة وخرق مع بداية العام 2022 حاجز الـ30 الف ليرة، بغض النظر عمّا اذا كانت الاسباب مالية نقدية ام سياسية، وبالتالي لا رادع امام الدولار من مواصلة الارتفاع وصولاً الى 50 الف ليرة او اكثر.
المستغرب في هذا الوضع، حالة التخدير التي يعاني منها المواطن، الذي ما زال متلقفاً للانهيارات والأزمات وتحليق كل الاسعار مقابل تدهور قدرته الشرائية، من دون تحريك اي ساكن او الانتفاض على واقعه المرير، في حين تمعن السلطة الحاكمة في تعميق حجم خلافاتها السياسية التي تعطّل أي فرص لإطلاق الاصلاحات المطلوبة واستئناف مسار الإنقاذ.
في غضون ذلك، ومع استمرار الليرة في الانهيار طوال العام 2021، لم يتحقق شيء من الوعود المتعلقة بالتعويض على المواطن عن تراجع قدرته الشرائية، فهو لم يحصل بعد على البطاقة التمويلية، ولم تفلح لجنة المؤشر في التوصّل الى اتفاق حول تصحيح الاجور. كلّ ما حصل عليه حفنة من الدولارات ضخّها مصرف لبنان من خلال التعميم 161 ولفترة شهرين فقط. في المقابل، رُفع الدعم عن كافة السلع وحلّقت اسعار المحروقات، والادوية والطبابة، والسلع الغذائية… وبدأ الحديث عن رفع تعرفة الكهرباء وتعرفة الاتصالات ورفع الدولار الجمركي وتعديل سعر الصرف الرسمي.
في هذا الإطار، اوضح الخبير الاقتصادي بيار الخوري لـ»الجمهورية»، انّ التوقعات في شأن اتجاهات سعر الصرف كانت دائماً نحو المسار التصاعدي. معتبراً أنّ السعر الحالي قد يكون حتّى منخفضاً بالنسبة للمخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد بالاضافة الى التأزّم السياسي المتفاقم.
ورأى انّ «كل الاسعار التي سمعنا عنها ممكنة الحصول، من سعر المليون ليرة للدولار الذي طرحه أحد التنفيذيين السابقين في السلطة النقدية، إلى سعر 250 ألف ليرة للدولار الذي طرحه أحد النواب، إلى كل التوقعات بـ100 ألف ليرة للدولار او 50 الف ليرة. كل ذلك ممكن طالما أنّ الظروف التي يقوم عليها تحليل مستقبل سعر الليرة ما زالت كما هي، أي أننا نعاني من نقص في تدفق العملات الاجنبية إلى البلد، في الوقت الذي يقوم مصرف لبنان بطبع كميات من الليرة لتمويل عجز الموازنة».
وشدّد خوري على انّ النقطتين الأساسيتين تتمثلان بالفجوة الخارجية في الميزان التجاري والفجوة الداخلية المتمثلة في عجز الموازنة.
وحول تصحيح الاجور، اعتبر انّ تصحيحها سيكون «بالقطعة»، اي انّه لن يكون هناك تصحيح عام للأجور في القطاعين العام والخاص لسببين: الاول، انّ القطاع الخاص يجري تصحيحاً دورياً تبعاً لارتفاعات سعر صرف الدولار والتضخم، وبالتالي يقوم بشكل دوري بمفاوضات مع الموظفين بشأن هذا الموضوع، «وبات من النادر ان تجد مؤسسة خاصة لم تتجّه بعد الى رفع أجور موظفيها، علماً انّ نسبة الزيادات تختلف بين مؤسسة واخرى وفقاً لمعدل الإنتاجية في كلّ منها».
اما بالنسبة للقطاع العام، أعرب الخوري عن اعتقاده بأنّه لن يكون هناك تصحيح للاجور، نظراً لعدم توفر الواردات لذلك، ويستحيل التمويل من خلال طباعة العملة.
وقال: «اليوم يتمّ الحديث عن رفع الدولار الجمركي، مما يسمح برفع واردات الدولة الى حوالى 14 الف مليار ليرة تقريباً، وبالتالي يمكن البحث في رفع أجور القطاع العام رغم انّه غير منتج على وجه الإجمال. ولكن لا يجوز إبقاء هذا الكم الهائل من العائلات بدخل يقارب الصفر. لذلك يأتي رفع الدولار الجمركي كبوابة لتمويل رفع الاجور بدل ان يستند ذلك الى طبع النقد من اجل تمويل الارتفاعات في نفقات الدولة».
وشدّد على استحالة رفع الضريبة المباشرة حالياً بهدف حماية المصالح الخاصة التي ما زالت قائمة.
وبالنسبة للقطاع الخاص غير الرسمي، لفت الخوري الى انّ هذا القطاع عدّل أجوره، حيث باتت كافة الاعمال والخدمات التي يقدّمها هذا القطاع مسعرّة بالدولار او على سعر صرف السوق السوداء.
وختم: «تبقى المشكلة الأساسية في أجور القطاع العام التي يجب تأمين واردات لرفعها من دون طباعة العملة ومن دون خلق آثار تضخمية، مما يؤشر الى عدم وجود حلّ سوى برفع الدولار الجمركي!».