على أثر أول إطلالة له خلال العام الجديد، إختلفت الرؤى وكذلك طرق تقييم (évaluation) كلمة رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل، لكن ثمة أموراً واضحة في علم السياسة لا تحتمل اللبس، منها ما هو بديهي يتعلق بضرورة قيام رئيس الحزب الذي فاز بأكبر كتلة نيابية مسيحية بمخاطبة جمهوره بلغة تحاكي أفكاره وهواجسه على أبواب إنتخابات نيابية قد تحصل وقد لا تحصل، هذه اللغة التي لا بد لها من أن تتوجه بالنقد الشديد لأداء “الثنائي الشيعي” المنسجم والمتناغم دوماً ولو على حساب الحلفاء
.
لا شك في أن “التيار الوطني الحر” حقق مكتسبات في رصيده داخل السلطة ما كان ليحلم بتحقيقها لولا “إتفاق مار مخايل”، هذا الإتفاق الذي عاش لحظات “الذروة” وهو يعاني حالياً من إضمحلال لافت، نتيجة ما يطفو على السطح من خلاف مستدام بين الحليف والشريك، لكن ليس لأحد مصلحة في أن ينفرط عقد هذا الإتفاق “على علّاته” خصوصاً على أبواب إستحقاق يعاني فيه الخصم المقابل من إختلال في التوازن نتيجة الضربات التي جرى تسديدها في مرمى القوى السياسية التي وُجد “إتفاق مار مخايل” للوقوف بوجهها وتحجيمها.
في المقابل، بات محسوماً أن “إتفاق معراب” سقط بالضربة القاضية في الوقت المفصلي والمحوري، وهو الإتفاق الذي قام على مبادلة في الدعم السياسي إستفاد منه الفريق الأكثر حنكة، وسينتحب من أجله الفريق الذي لا بد أنه كان يتوقع الطعنة، لكنه آثر الرهان على المزاج العام الشعبي القادر على قلب التوازنات الإنتخابية لصالح حزب القوات اللبنانية داخل الشارع المسيحي.
ومقابل النور الخافت للقوى السياسية التي كانت بمواجهة فريق إتفاق مار مخايل، ثمة توجّس من “حصان جديد” يدخل حلبة سباق الإنتخابات النيابية وهو حصان ثورة ١٧ تشرين، فالناس تعيش أياماً صعبة وسط إقتصاد منهار وعملة وطنية باتت قيمتها الشرائية منعدمة، في ظل غياب تام للسلطة القضائية عن إيجاد التوازن أو لجم سياسات مالية غير سليمة، على رغم الكوارث التي يعاني منها الشارع اللبناني. لا شك أن قوى ١٧ تشرين لفتت الأنظار منذ العام ٢٠١٩ محلياً ودولياً، وكان هناك رهان كبير عليها لكسر مقومات “الدولة العميقة” في حال إستطاعت دخول المعركة الإنتخابية بلوائح موحدة، لكن من أسباب عرقلة تحقيق هذا الأمر هو كثرة القيادات وعدد المجموعات والرهان على تكرار التجارب الإنتخابية الفاشلة للحراك المدني في الإنتخابات البلدية والإنتخابية، من دون إغفال أنه بمقابل بعض الإنتصارات لقوى ١٧ تشرين في الجامعات ونقابة المهندسين، فقد كان لإنتخابات نقابة المحامين الأثر البليغ في “تعميق جراح ثوار ١٧ تشرين نتيجة طعنات الثوار لبعضهم بعضاً “في الظَهر” بناء لتوجيهات مباشرة من مطبخ نقابي إجتهد للفوز في تلك الإنتخابات تحديداً، وللبحث صلة….
lebanon24