تؤكد المعلومات المعلنة وغير المعلنة أن وراء صفقات تهريب المخدرات عن طريق المعابر اللبنانية أهداف مالية وسياسية في آن واحد. ومن المستحيل أن تحصل مثل هذه العمليات الكبيرة من دون حماية قوى نافذة في لبنان وفي سورية، لأن المعطيات المتوافرة في التحقيقات، تشير بوضوح إلى أن عملية التوضيب وتصنيع قوالب الليمون والرمان والبرتقال لا يمكن أن تحصل إلا في معامل كبيرة، وتستوجب وجود آلات ضخمة ومساحات واسعة، كما تتطلب توافر عدد كبير من العمال ومن أصحاب المهارات، وهو ما يستحيل على تجار المخدرات تأمينه بمفردهم.
ومن الواضح أن استهداف أسواق دول الخليج العربي لتصدير هذه الممنوعات اليها، يخفي هدفين متلازمين. الأول تحقيق ربحية مالية نظرا لملاءة هذه الأسواق، والجهات السياسية التي ترعى هذه العملية تحتاج الى العملات الصعبة لأنها مقيدة بعقوبات تمنعها من الحصول على هذه العملات بالطريقة المشروعة.
أما الهدف الثاني فهو سياسي بامتياز، ووراءه نية مبيتة للمساهمة في إدخال الفساد الى مجتمعات دول الخليج العربي أملا في تحقيق اضطرابات فيها في المستقبل، والذين يقومون بهذه العملية انطلاقا من لبنان يزيدون من تشويه صورة البلد الجميل، ولا يريدون أن تعود العلاقات الى طبيعتها بين لبنان ودول الخليج وهم لا يضمرون الخير للطرفين.
مصدر أمني واسع الاطلاع كشف أن الأسماء التي تم التعرف عليها وهي على علاقة بهذه العمليات المخالفة، لها صداقات واسعة مع شخصيات تنتمي الى حزب قوي، وهي تتنقل بين لبنان وسورية بتسهيلات واضحة، والموقوف حسن دقو الذي اعترف بالوقوف وراء صفقة الرمان المخدر الى جدة، اعترف ايضا بأنه على علاقة طيبة مع جهات لبنانية وسورية نافذة، وهو يدفع مبالغ طائلة مقابل تنفيذ مآربه التجارية، وبعض الأموال من عائدات تهريب الكبتاغون تخصص لشراء الأراضي في المناطق التي تقع على جانبي الحدود الشرقية بين لبنان وسورية، وهو بالذات كان قد اشترى غالبية أراضي بلدة الطفيل اللبنانية الحدودية.
دول الخليج العربي تتعامل بواقعية وبتحفظ مع الموضوع، والسلطات الأمنية التي القت القبض على متورطين في صفقة الحامض المخدر في دبي، قالت إن هؤلاء ينتمون الى جنسيات عربية من دون تحديد اسم الدولة ـ او الدول ـ التي يتبع لها الموقوفون، والسلطات الجنائية الكويتية تعاملت بحرفية عالية بعد الكشف عن صفقة الليمون المعبأ بالمخدرات الأسبوع الماضي، والتي قدرت قيمتها بـ15 مليون دولار.
وزير الداخلية اللبناني القاضي بسام المولوي يتعاطى مع مكافحة عمليات تهريب الممنوعات من خلال المعابر اللبنانية بجدية واضحة، وقد اختلف الأمر معه عن طريقة التعاطي السابقة في الملف، ويبدو واضحا أن قرارا سياسيا حاسما ينفذه المولوي بتوجيهات من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يفضي الى تطبيق الإجراءات التي تم الاتفاق عليها بين السلطات اللبنانية والسلطات السعودية المختصة في أغسطس الماضي، وكانت الحكومة السابقة قد تلكأت بتنفيذها. وأمام المولوي تحديات كبيرة، لأن بعض النافذين وأعضاء في العصابات التي تقوم بالتهريب، كانت قد هددت بالاقتصاص من كل من يعرقل عملها، ووصل الأمر الى تحذير بعض الصحافيين بعدم اجراء أي تحقيقات تتناول عمليات تصنيع المخدرات وتهريبها.
هل يجرؤ المولوي حيث أخفق الآخرون، على وقف مهزلة تهريب الممنوعات من لبنان، وهي تسبب اضرارا كبيرة بسمعة بلاد الأرز، وباستقرار دول الخليج الشقيقة؟ المستفيدون ماليا وسياسيا من جراء هذه العمليات معروفون جيدا، ويشار اليهم بالبنان، على أمل أن تتمكن السلطات الأمنية والقضائية من توقيفهم خلف قضبان السجون.