كان البعضُ ينتظرُ أنْ يرفعَ رئيس الجمهورية ميشال عون سقف التحدّي بوجه “حزب الله” خلال خطابه يوم الإثنين الماضي، إلا أنّ المسار الذي سلكه الكلام كان مختلفاً، حتى لو أنه حمل بعض الرسائل غير المُباشرة.
بالنسبة لـ”حزب الله”، فإنّ عون التزَم الخطوط التي تحفظ حقوق الطرفين، فلا تجاوز أبداً للملفات الأساسية في حين أن الاختلاف يبقى ضمن الأطر السياسيّة حصراً. ولكن، ماذا لو حصل ما لم يكن في الحسبان.. بمعنى أنه ماذا سيحصل لو أراد رئيس الجمهورية خوض معركة مفتوحة ضدّ “حزب الله”وإنهاء التحالف معه؟
في الحقيقة، فإنّ اتفاق مار مخايل عام 2006 بين التيار “الوطني الحر” و “حزب الله”، لم يرسُم خطوط الاختلاف بين الطرفين، لكنه حفظَ الثوابت التي لا يمكن كسرها، مثل حماية “سلاح المقاومة” وصون التحالف الاستراتيجي الذي يحفظ التفاهم المسيحي – الشيعي في بلدٍ تضربه التناقضات. حينها، كان الهدف من الاتفاق، من وجهة نظر “حزب الله”، ضربُ الصدام مع فريق سياسي يعتبرُ وازناً في الساحة المسيحية، وأيضاً برز هدف كبير في جعل “حزب الله” مسنوداً بجبهة مسيحية تحميه في السياسة وأثناء الحرب باعتبار أن غياب هذا الغطاء قد يشكل خطراً عليه.
من هذه القاعدة، كانت انطلاقة اتفاق مار مخايل الذي يظن البعض أن عون سيضربه بسبب “مؤامرة المجلس الدستوري”، حيث سقطَ الطعن الذي قدّمه “الوطني الحر” بشأن قانون الانتخابات النيابية. وفي حال تحقق ضرب الإتفاق، فإنّ المشهد السياسي سينقلبُ تماماً، وسيصبح “حزب الله” مُجرّداً من غطاء مسيحي قوي يحفظ له التوازنات. إضافة إلى ذلك، فإنّ “حزب الله” سيكون الخاسر الأكبر مقارنة مع “الوطني الحر”، لأنّ انفصاله عن الأخير سيبقيه ضعيفاً داخل البرلمان وفي الحكومة، وسيجعل قراره بعيداً عن التأثير.
حتماً، فإنّ عوامل القوّة معروفة أنها مُتبادلة بين الطرفين، لكن هناك تأثيرٌ أقوى لجبهة على الأخرى. ومن جهة “حزب الله”، فإنّ الانفصال عن “الوطني الحر” لا يعني أنه سيمكنه من اللجوء لفرض قوة سلاحه على الساحة اللبنانية، لأن ذلك يشكل إعلاناً لحربٍ علنية، وبالتالي ضربة كبيرة له. أما على جبهة “التيار البرتقالي”، فإن مصلحته حالياً أن يكون مع جهة قوية مالياً وإقليمياً، وليس لديه أي خيار آخر سوى “حزب الله”. وبناء على ذلك، فإنّ الاتجاه الدائم هو نحو إبقاء التحالف لأن المصالح الكبرى تقتضي هذا الأمر على الدّوام، في حين أن التفاهم مطلوب أكثر من جهات أخرى وفي طليعتها “حركة أمل” المتمثلة برئيس مجلس النواب نبيه بري.
إذاً، فإن الرهان على خوض “الوطني الحر” معركة “كسر عضم” مع “حزب الله” بات بعيداً في الوقت الحالي، وقد تبين مؤخراً أن اتصالات كثيفة وزيارات عُقدت للململة ذيول أي خلاف، وقد يتحقق قريباً لقاءٌ حاسم للملف بين الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ورئيس “الوطني الحر” جبران باسيل.
ومع هذا، فإن الأساس يتحدد في أن يُبعد الطرفان خلافاتهما عن مجلس الوزراء، خصوصاً أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جدّد، الثلاثاء الماضي، إصراره على العودة إلى مجلس الوزراء وسط حضور جميع مكونات الحكومة. ولهذا، فإن التوافق بين “حزب الله” و “الوطني الحر” يعدّ أساسياً لتكريس هذه العودة التي تعدّ مرهونة بـ”إصلاح الخلل” في ملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت.
المصدر: خاص “لبنان 24”