في كلّ مناسبةٍ يزور فيها رئيسُ الجمهورية ميشال عون، الصرح البطريركي، يضع البرتقاليون “إيدهم عا قلبن”، فهم لا يستسيغون الصرح، ولا مواقفه، من أيام “البطرك صفير، بيّ الطائف”، وصولاً إلى الحالي “راعي الثورة والثوار”، فلعلّها السنة الوحيدة التي “فشّوا خلقهم” فيها، هي السنة الماضية عندما” قاطعت” بعبدا بكركي، بسبب “كورونا” ظاهرياً. غير أن فرحتهم هذه السنة بعدما احتلّوا الصرح بالكامل، لينحصر الحضور” بعيلة العهد” تقريباً، ما لبثت أن تحوّلت غضباً بعد ما نًشر عن وصفٍ بطريركي للحكيم، انفجر غضباً على وسائل التواصل الإجتماعي، وأعاد شيئاً من “الوحدة” إلى اهل بيت تفاهم مار مخايل، الذي شنّت “جيوشه الإلكترونية” هجماتها بالتكافل والتضامن.
ليست المرّة الأولى التي يطلب فيها البطريرك بشارة الراعي من جنرال بعبدا، سحب الشرعية عن “حزب الله”، بعدما بات استمرارُ الوضع، يشكّل تهديداً للدولة ونظامها ودستورها، بعدما “استطيبت” حارة حريك قصة إرساء أعرافٍ وتقاليد جديدة، توصل كلّها في النهاية، إلى تغييرٍ في هوية النظام اللبناني، وتضرب ما تبقّى من توازناته، من مصيبة الديموقراطية التوافقية والميثاقية المسخ، التي أوصلت إلى الثلث المعطّل وما لفّه لغاياتٍ في نفس من أرسلها.
صحيحٌ أن البطريرك لعبها “صولد” هذه المرة، حاشراً الرئيس عون، مستفيداً من الجوّ الوطني العام، ومن الخلاف المُنفجر على جبهة ميرنا الشالوحي – حارة حريك، بعدما خرج من الرحم البرتقالي، من بين الأكثر غلاةـ من يدعو إلى “بلّ تفاهم مار مخايل وشرب ميّته”، في مواجهة أولئك المُنتظرين لفكرة “يلّي شرب البحر ما بغصّ بالساقية”، طالما أننا خسرنا كل الداخل والخارج، “فخلّينا نلحقهم عا باب الدار”، طالما أن تسونامي 2009 أصبح بعيد المنال.
في كل الأحوال، هذه الأجواء انعكست في نقاشات الفريق الرئاسي، فيما “ما حدا عم يحكي مع حدا”، بعد كلام اللواء عباس ابراهيم، المُستفيد من أي صلحة، وتأكيد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، أنه “ما شاف وفيق صفا”، الذي ظلّ حتى قبل ساعات من حسم مضمون الرسالة واتجاه ريحها، التي اتُفق على أنها يجب أن “لا ترضي” الحزب ، حائراً بين طرحين، الأول، بوجوب بقّ البحصة و”تعلاية” السقف، بعدما لم يبق شيئاً للخوف عليه، وبالتالي بات لزاماً تلبية رغبات القاعدة “التي صارت بميل تانية”، وتسمية الأشياء بأسمائها حفاظاً على ما تبقّى، والثاني، غير متحمّسٍ للتصعيد “فبعد بكّير لكسر الجرة” ومش وقتها قبل الإنتخابات، بعدما لم يبق للتيّار من حلفاء، سوى جماعة المقاومة والممانعة، خصوصاً أن خصوم الداخل والخارج، فرحوا بانفجار العلاقة بين بعبدا وحارة حريك، وهم ينتظرون بفارغ الصبر سقوط “مار مخايل” ليشمتوا، إلى أن حسمها الجنرال “على طريقته، هو المُدرك أن تغيير طريق جهنم غير سالك حالياً.
عليه ، وبين الحافر والمسمار، لعب رئيس الجمهورية معزوفته، تاركاً خيطاً رفيعاً مع “حزب الله”، وللصهر أن يوسّع ويشرح، منطلقاً من قناعة العهد جدياً” بأنن ما خلّونا”، فحمّل الجميع المسؤولية و” ما حدن أحسن من حدن”، ناقلاً المشكلة إلى “مطرح تاني”، بدعوته إلى مؤتمرٍ وطني لبحث ملفات أكبر من عهدٍ في بدايته، فكيف لعهدٍ وهو يودع أشهره الأخيرة.
باختصار، هي الوجدانية بلباس سياسي، لعهدٍ وعد بالتغيير والإصلاح دون أن ينجح بهما، طالباً بقول الحقّ كل الحقّ، خاتماً بالتهديد بأن لا يُضطّر لقول “الأكتر”، الذي الله وحده يمكنه أن يتنبّأ بموعده، متى قرّر جنرال بعبدا أن يعود بالتاريخ ٣٠ سنة “لورا “، كما ذكر، في قلب الطاولة عليه وعلى أعدائه.
بعد كلّ ما تقدّم، هل تنكسر الجرة مع “حزب الله” نهائياً، فيشرب زوم الوثيقة التي “بلّها أكتر من مرّة”، هو الذي يشرب بحار المرّ هذه الأيام؟ أم أن ما قيل، معطوفاً على ما سيُقال، هو المدخل لتسويةٍ جديدة تراعي مصالح الجميع، بما فيها الإنتخابية؟ خصوصاً أن كبر الحجر، فعل فعله لأيامٍ عبر تحليلات وتقديرات وخيالٍ واسع، قلب المعادلات وغيّر التوازنات.
بكل بساطة ما حصل هو “باس سياسي”، أبقى الشبابيك مفتوحةً على كل الإحتمالات، مرّره سيّد العهد في نهاية السنة الأخيرة من ولايته، لوريثه السياسي الشرعي، كما يحلو للبعض الإعتقاد، ليبدأ به سنة الحسم.
فإلى الثاني من كانون الثاني، ويومها حكي جديد ومرحلة جديدة… بعد خطاب الوداع وإن قبل بعشرة اشهر.