الحديث عن رفع فاتورة الاتصالات ليس جديداً، بل هو مثل توقع قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي لم يُتّخذ إلا بعد أسابيع من إذلال المواطنين أمام محطات المحروقات. أمّا الآن فنترقب ساعة الحسم بشأن هذا الملف. وبالنسبة إلى أوساط معنيّة، فإنّ رفع الفاتورة “إجراء مهم جدّاً” كي تتمكّن شركتا الخليوي من الاستمرار.
ما يحدث الآن في ملف الاتصالات يأتي ضمن سياق تعميق دولرة الاقتصاد اللبناني، لأنّ مدفوعات القطاع معظمها بالدولار ويجب أن يترجم هذا الواقع في تسعيرة جديدة تناسب سعر الورقة الخضراء، فق أوساط معنية.
ولا ينبغي الذهاب بعيداً في تأكيد أنّ مصاريف شركتَي الخليوي جميعها بالدولار النقدي (الفريش دولار)، فمعلومات “النهار” تشير إلى أنّ نحو 40 في المئة فقط من مدفوعات شركة “ألفا” هي بالدولار النقدي، والباقي باللولار، وهناك قسم آخر بالليرة اللبنانية، وهي المدفوعات للدولة اللبنانية من ضرائب ورسوم ومستحقات للضمان الاجتماعي. إلّا أنّ المديرة العامّة لشركة “تاتش” حياة يوسف قالت لـ”النهار” إنّ “الشركة تتلقى ثمن خدماتها وفق سعر صرف ألف و500 ليرة للدولار، فيما كامل دفعاتها بالفريش دولار”.
وعن الجوّ السائد بأنّ شركتي الخليوي تراجعت أرباحهما، أكّدت شركة “ألفا” لـ”النهار” أنّها “حوّلت أموالاً للدولة اللبنانية حتى نهاية شهر 10 من عام 2021، أكثر بـ70 في المئة من المبلغ الذي حُوّل في الفترة عينها من العام 2020. ويعود ذلك إلى تمكننا من زيادة الأرباح وزيادة عدد المشتركين”.
من جهتها، لفتت يوسف لـ”النهار” إلى أنّ ” المردود المالي لتاتش تحسّن كثيراً مقارنة بالسنوات السابقة”، إلّا أنها رفضت مشاركة نسبة هذه الزيادة. وأوضحت أنّ “مساهمة (تاتش) للدولة ارتفعت منذ انتقال القطاع إليها، وخاصة أنّ وضع الشركة بالنسبة للمردود متين وأفضل من الشركة المنافسة”.
في موضوع الفاتورة، أشارت شركة “ألفا” لـ”النهار” إلى أنّه “إذا قرّرنا الاستمرار في تقديم الجودة عينها بالتوازي مع الالتزام بدفع جميع المصاريف التشغيلية المختصّة بالشركة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المصاريف الاستثمارية، وأن نحوّل للدولة اللبنانية المدخول نفسه، وسط الظروف الاقتصادية الحالية، فإنّه لا بدّ من رفع الفاتورة”، موضحةً أنّ “اللولار بات 8 آلاف ليرة لبنانية، وهذا يعني أنّ فواتيرنا التي ندفعها باللولار صعدت مرّتين تقريباً. وبالتوازي زاد الدولار، ولا يزال مردود الشركة على السعر الرسمي للدولار، أي 1500 ليرة لبنانية”.
وتابعت “ألفا” حديثها لـ”النهار” قائلةً: “إذا أردنا قياس المداخيل بالدولار فسيتبيّن حكماً أنّ إيرادات الشركة تراجعت كثيراً”.
وإذا احتسبنا الدولار بـ28 ألف ليرة وقارنّاه بالدولار الرسمي الذي نحصّله من المشتركين، أي 1500 ليرة، يتبيّن أنّ المدخول بالدولار تراجع 95 في المئة، لكن هذه المقاربة غير صحيحة، لأنّ المصاريف ليست جميعها محتسبة على 28 ألفاً، لكنّ قسماً كبيراً اليوم من المدفوعات بالفريش دولار، ومنها تلك المتعلقة بالمساعدة التقنيّة من الشركات الأجنبية التي تقوم بأعمال شركتَي الخليوي الداخلية مثل “إريكسون” و”نوكيا”، ففواتير تلك الشركات بالدولار النقدي حصراً. وبناءً على ذلك تؤكّد أوساط معنيّة بالملف أنّه “يجب أن تُرفع فاتورة الاتصالات على المدى البعيد كي تتمكن الشركات من الاستمرار من خلال الإيفاء بالتزاماتها”.
وضع شركتَي الخليوي اليوم شبيه بقطاع الكهرباء، فالمؤسّسة تحصّل فواتيرها بأقلّ من كلفة الإنتاج، وإذا وصلت “ألفا” و”تاتش” إلى هذه المرحلة فستتسبّب بمزيد من العجز للدولة اللبنانية غير القادرة أصلاً على دعم هذا القطاع، والتي تبحث أصلاً في رفع الدعم عن الكهرباء بالإضافة إلى زيادة الدولار الجمركي، وقرارات عدّة شبيهة يترقبها اللبنانيون. فالجديد اليوم أنّ الرأي العام يتحضر للمرحلة المقبلة، مع نيّات رسمية صريحة تخرج إلى العلن، لكن من دون أيّ إجراء رسمي ملموس.
في كواليس قطاع الخليوي، اجتماعات ودراسات متعلقة بالتعرفة الجديدة “الواجب تغييرها في الأشهر المقبلة”. وأوضحت “ألفا” لـ”النهار” أنّه “يمكنها أن تتحمّل 6 أشهر إضافية فقط من دون رفع التعرفة، وذلك بسبب الوضع المالي للشركة المضبوط”.
وشدّدت الشركة على أنّه “في نهاية المطاف هناك مصروف والتزامات يجب الإيفاء بها، فالمورّد في الخارج لا يمكنه الانتظار. ومنذ عام 2016 حتى اليوم لم ندفع المصاريف الاستثمارية، لأنّ القانون لا يسمح لنا بدفع هذه المبالغ، لكن المجلس النيابي عدّله أخيراً، وننتظر أن يُنشر في الجريدة الرسمية، وفي اليوم الذي يُنشر فيه نتمكن من دفع جميع النفقات الاستثمارية التي قمنا بها قبل عام 2019. ومن حينها حتى الآن لم يُنجز أيّ شيء على صعيد الاستثمار، لذلك نحن ننتظر أن يتم سداد المصاريف القديمة وهي عبء على الشركة وتشكّل مبلغاً كبيراً، فنحن تسلّمنا القطاع ومعه هذه المبالغ الكبيرة التي يجب علينا دفعها وقسم منها دفعات خارجية أي بالدولار النقدي”، وفيما رفضت الشركة مشاركة قيمة هذه المبالغ أوضحت أنّه “لا مشكلة لديها عبر التقسيط”.
يُذكر أنّ الشبكة تتعرّض لضغوط عديدة وانقطاعات، وضمن هذا الإطار قالت “ألفا” إنّ “الأعطال في المناطق لا يقوم الموظفون بمعالجتها بسبب الإضراب، فهم توقفوا عن العمل منذ الإثنين الماضي”.
من جهتها، قالت يوسف عن “تاتش” إنّ القطاع لم “يقم بأيّ استثمار في الشبكة، ومجدداً حصلت مشكلة في الحمرا رأس بيروت والروشة والرملة البيضاء وغيرها، من جرّاء تأخر وصول المازوت إلى السنترال بسبب القوّة القاهرة”، مشدّدةً على أنّه “بالنسبة لها، الشبكة خط أحمر، ولا علاقة للزبون بالإضراب، لذلك لا يجوز قطع الاتصالات عن الناس بسبب الإضراب، فالزبائن يؤمنون مدخول الشركة”.
وأكّدت أنّه “من يعرّض الشبكة للانقطاع من جرّاء تقاعسه عن مهامه خلال الإضراب فسيكون عرضة للطرد من الشركة”.
وفي السياق، سبق للمدير العام لـ”أوجيرو” عماد كريدية خلال عطلة نهاية الأسبوع، أن أعلن “تبلّغه من المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون وقّع قانون زيادة الاعتمادات المخصّصة لهيئة أوجيرو”.
وكان القرم قد أطلق صرخة مطالباً عون بالتحرّك السريع لتدارك الوضع، معتبراً أن “ثلاث لاءات باتت تتحكم بقطاع الاتصالات لم يعد بقدورنا حلّها: لا اعتمادات، لا مازوت، ولا خدمة للمشتركين”.
ولفت القرم في بيان إلى “توقف سنترال طرابلس ‒ التبانة وعدد من السنترالات الأخرى بسبب نفاد المازوت”، محذّراً من “خطر انقطاع الاتصال والانترنت في الساعات والأيام المقبلة تدريجاً على كافة الأراضي اللبنانية”.
وشدّد على “وجوب حسم موضوع فتح الاعتماد لهيئة “أوجيرو” بـ350 مليار ليرة لبنانية بعدما كانت قد أقرّت في مجلس النواب.