وسط المراوحة الثقيلة والقاتلة في مشهد الازمة السياسية الداخلية التي شلّت مجلس الوزراء في أحرج الظروف التي يشهدها لبنان، بدا من الطبيعي ان تحدث زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس للبنان بدءاً من عصر امس وامتداداً حتى الأربعاء المقبل، اختراقا ديبلوماسيا ومعنويا عززه إصرار غوتيريس على اختصار دلالات واهداف زيارته “بالتضامن مع الشعب اللبناني”. ذلك ان حضور المسؤول الأول والأرفع في الأمم المتحدة الى لبنان في هذا التوقيت وتخصيصه أربعة أيام لزيارته ضمن برنامج حافل بالمحطات واللقاءات والجولات ما بين بيروت والمنطقة الحدودية الجنوبية، ليس تطوراً عادياً او اقله لم يعد حدثاً عادياً تشهده بيروت التي تفتقد بشدة حركة الزوار العالميين والدوليين الكبار. هذا البعد الرمزي والمعنوي في الزيارة لا يحجب الدلالات الأبرز المتصلة بإظهار إرادة اممية حازمة على مواكبة الواقع اللبناني ومحاولة إسناد أوضاع اللبنانيين في ظل انهيار خطير محدق بمكونات صمودهم بدليل ان غوتيريس يتعمد تكرار تعبير التضامن مع الشعب اللبناني وليس مع السلطة، علما ان تأمين عبور لبنان الى الانتخابات النيابية يبدو احد ابرز اهداف الزيارة أيضا التي الى لقاءات غوتيريس مع الرؤساء الثلاثة، ستشمل لقاءات مع عدد من القيادات الروحية وممثلين عن المجتمع المدني. وحملت الكلمة الرسمية الأولى لغوتيريس من قصر بعبدا مساء في هذا السياق دلالة معبرة حين خاطب الأمين العام السياسيين اللبنانيين قائلا “استحقوا الشعب اللبناني”، كما حضّ اللبنانيين على الانخراط في تحديد مصيرهم من خلال الانتخابات.
ولعل المصادفة حملت بغوتيريس الى لبنان في موعد متزامن مع تشابك الازمات الداخلية وازدياد تعقيداتها اذ سيتوزع المشهد في الساعات المقبلة بين محطات زيارة غوتيريس والمجلس الدستوري حيث يفترض ان يصدر اليوم او غدا قرار المجلس في مراجعة الطعن التي قدمها “تكتل لبنان القوي” في تعديلات قانون الانتخاب. ومن المقرر أن يقف غوتيريس في العاشرة قبل ظهر اليوم دقيقة صمت في مرفأ بيروت، تكريما لأرواح ضحايا انفجار المرفأ. وبدا لافتاً البرنامج الذي أعد لزيارته السرايا الحكومية في الحادية عشرة والنصف قبل ظهر اليوم، اذ وبعد ان يستقبله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ويعقد معه لقاءً ثنائيا، يتوجهان الى قاعة الاستقبال حيث لقاء موسع ستلقى خلاله كلمات لميقاتي وغوتيريس وممثلة الأمين العام في لبنان يوانا فرونتيسكا ونائبتها للشؤون الانسانية نجاة رشدي وسيكون عرض لمختلف منظمات الأمم المتحدة في لبنان، وبعد ذلك سيعقد لقاء صحافي يليه غداء يقيمه رئيس الحكومة على شرف الأمين العام والوفد المرافق. وينتظر ان يزور غوتيريس بعد الظهر رئيس مجلس النواب نبيه بري. وفي السادسة مساء الثلثاء سيعقد غوتيريس مؤتمرا صحافيا في فندق موفنبيك في بيروت.
وكان غوتيريس اكتفى في مطار رفيق الحريري الدولي لدى وصوله بعد ظهر امس حيث استقبله وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب بالقول:”عندما كنتُ المفوض السامي لشؤون اللاجئين، جئتُ إلى لبنان عدة مرات ولمستُ وقتها تضامن شعب لبنان مع العديد من اللاجئين. أعتقد أن الوقت قد حان لنا جميعاً، في العالم، للتعبير عن نفس التضامن مع شعب لبنان. لذلك، إذا أردتُ وصف زيارتي إلى لبنان بكلمة واحدة ستكون كلمة “تضامن”.
في بعبدا
وكان قصر بعبدا المحطة الأولى في زيارة غوتيريس حيث عقد لقاء موسع مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي اعلن على الأثر انه بحث مع غوتيريس “الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها لبنان، والسبل الايلة الى الخروج منها، لا سيما ما يتعلق منها بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تردت خلال الأشهر الأخيرة. وأكدت لسعادة الأمين العام أننا نعمل على تجاوزها، ولو تدريجياً، من خلال وضع خطة التعافي الاقتصادي لعرضها على صندوق النقد الدولي والتفاوض بشأنها كذلك بالتزامن مع إصلاحات متعددة في المجالات الاقتصادية والمالية والإدارية، وإعادة النظر بعدد من إدارات الدولة وضبط الانفاق ووقف الهدر ومكافحة الفساد وبلوغ التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان أهدافه في كشف المسؤولين عما لحق بالبلاد من خسائر على مر السنين الماضية. وأكدت لسعادته ان لبنان سيشهد في الربيع المقبل انتخابات نيابية ستوفَر لها كل الأسباب كي تكون شفافة ونزيهة تعكس الإرادة الحقيقية للبنانيين في اختيار ممثليهم”. كما لفت الى تطرق اللقاء الى موضوع النازحين السوريين والتزام لبنان تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته.
اما غوتيريس فحرص على الإعراب عن تقدير الامم المتحدة والمجتمع الدولي “لكرم لبنان في استضافة الكثير من اللاجئين بسبب الصراع في سوريا” . وقال “انا اؤمن ان المجتمع الدولي لم يقم كفاية بدعم لبنان، كما فعل تجاه دول أخرى فتحت حدودها وأبوابها وقلبها للاجئين، فيما للأسف بعض الدول الأكثر قدرة أقفلت حدودها الخاصة. من هنا فإن مثال لبنان هو مثل يستدعي تحمل مسؤولية من قبل القيمين على الأمن الدولي من اجل دعم لبنان بالكامل، بهدف مواجهة الأعباء التي تواجهه في المرحلة الراهنة”. وقال انه ابلغ الرئيس “أنني أتيت ومعي رسالة واحدة بسيطة، وهي أن الامم المتحدة تقف متضامنة مع الشعب اللبناني” وحث “القادة السياسيين اللبنانيين، على العمل معا لحل هذه الازمة، وأدعو المجتمع الدولي الى تعزيز دعمه للبنان. وعلى سبيل المثال فإن برنامج دعمنا الإنساني قد تم تمويله فقط بنسبة 11% ونحن بحاجة ماسة الى تضامن أقوى من قبل المجتمع الدولي. ان الشعب اللبناني يتوقع أن يعيد القادة السياسيون ترميم الاقتصاد، وان يؤمنوا فاعلية للحكومة ولمؤسسات الدولة، وانهاء الفساد، والحفاظ على حقوق الانسان. وهذا ما قاله فخامة الرئيس، وهو يصب في هذا الاتجاه. لا يملك القادة السياسيون في لبنان، عند مشاهدة معاناة الشعب اللبناني، الحق في الانقسام وشل البلد، ويجب ان يكون رئيس الجمهورية اللبنانية رمزا لهذه الوحدة الضرورية”.
ولفت الى ان “ان الانتخابات العام المقبل ستكون المفتاح، وعلى الشعب اللبناني ان ينخرط بقوة في عملية اختيار كيفية تقدم البلد … وستؤازر الامم المتحدة لبنان في كل خطوة من هذه المسيرة”. وقال: “كجزء من الالتزام باستقرار لبنان، سأزور قوات “اليونيفيل” في الجنوب. ان الالتزام التام بتطبيق القرار الدولي 1701، والمحافظة على وقف الاعمال العدوانية على الخط الازرق، والعمل على تخفيف التوتر بين الاطراف، هو امر أساسي “. وقال “ان لبنان يواجه مرحلة صعبة للغاية، وانا احث القادة اللبنانيين على ان يستحقوا شعبهم”.
عقوبات مشتركة؟
في غضون ذلك نقلت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين عن مصدر فرنسي رفيع تأكيده ان الادارة الاميركية وفرنسا تدرسان امكان وضع عقوبات على سياسيين لبنانيين يعطلون العمل الحكومي. وقال المصدر ان باريس تتطلع الى عودة العمل الحكومي في اسرع وقت في لبنان من اجل تنفيذ الاصلاحات المرتقبة دوليا . ونفى ما تردد في وسائل اعلام لبنانية عن زيارة مرتقبة للمستشار الرئاسي لشؤون الشرق الاوسط باتريك دوريل الى بيروت. واكد المصدر ان الاتصالات مستمرة بين فرنسا والسعودية لمتابعة الاتفاقات التي تمت بين البلدين على الصعيد الثنائي وعلى الملف اللبناني.
المصدر : النهار