لا تبدو الخيارات كبيرة أمام ميقاتي، فالرجل الذي دخل السراي الحكومي بغية تهدئة الأوضاع ووقف مسلسل الإنهيار، يرى نفسه واقعاً بين لهيب نار الداخل وبين الإصرار الدولي على القيام بالإصلاحات المطلوبة.
ولو عاد القرار إلى ميقاتي، لكان دعا مجلس الوزراء 3 مرات للإجتماع يومياً، لكن المسألة أبعد من ذلك خصوصاً وأن “الثنائي الشيعي” يهدّد بالمقاطعة وإفقاد الجلسات ميثاقيتها.
وأمام هذا التأزم الحاصل، فإن ميقاتي يرى أن إستمرار عمل الحكومة على ما هو عليه اليوم أفضل بمئة مرة من فرطها قبل الإنتخابات النيابية، فوجود حكومة يعطي بعض الثقة، أي يبقى هناك أمل بمعاودة الإجتماعات، أما إستقالة الوزراء الشيعة فتعني أن البلاد دخلت في أزمة سياسية وحكومية كبرى ستسرّع من وتيرة التدهور الحاصل.
ولا يستبعد البعض أن نكون أمام سيناريو شبيه بسيناريو 2006، عندما قرّر الوزراء الشيعة الإعتكاف ومقاطعة جلسات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، في حين أن الظروف الحالية أصعب بكثير.
ولا ينوي ميقاتي الدخول في مواجهة مع “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، بل يدعو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى القيام بمبادرة تجاه حليفه “حزب الله”، لعلّ هذا الأمر يفتح ثغرة في جدار الأزمة.
وتتعقّد الأمور داخلياً، على وقع الإنهيار المتواصل في سعر صرف الليرة واشتداد المضاربة على العملة الوطنية، في حين أن “الثنائي الشيعي” لا يبالي بكل ما وصلت إليه البلاد من أزمات، بينما لا يستطيع رئيس الجمهورية الذي يغطي “حزب الله” في سياسته، المونة على “الحزب” من أجل معاودة الجلسات الوزارية ولجم التدهور الحاصل.
ومن جهة ثانية، فإن الموقف الفرنسي والأوروبي والغربي والعربي حازم في هذا المجال، فعدا عن الشروط السياسية الخليجية التي تتعلق بسيادة الدولة اللبنانية ووقف ممارسات “حزب الله”، فإن كل الدول تطالب بإجراء الإصلاحات الضرورية ووقف الهدر والفساد، وإلا فإن المساعدات ستبقى محجوبة عن لبنان.
ويوضع الرئيس ميقاتي في موقف لا يحسد عليه، ويعلم أن البلاد هي بأمسّ الحاجة إلى إجتماع الحكومة لتدارس الأزمات ووضع خطط للإنقاذ. ومن جهة ثانية، فهو غير قادر على الوفاء بالإلتزامات التي يطالب بها المجتمع الدولي، والتي تُعتبر الممرّ الإلزامي لأي خطة مساعدة دولية.
وأمام تأزم الأوضاع، فإن ميقاتي “مزروك” في خياراته، فهو لا يستطيع أن يترك السفينة تغرق وهو ربانها، ومن جهة ثانية هو مكبّل اليدين ولا يستطيع التحرّك لإنقاذ الوضع أو أقلّه حفظ ماء الوجه. ويحاول ميقاتي ملء الفراغ بعقد اجتماعات وزارية جانبية وكل باختصاصه، لكن هذا الأمر لا يعوّض غياب مجلس الوزراء، في حين أن الإستقالة من ضمن الخيارات التي تطرح، متى ما قصمت “القشة”… ظهور المعنيّين.
لكن ميقاتي يتروّى في هذا الخيار لأنه يعتبره إنتحارياً، وعندها تصبح الحكومة حكومة تصريف أعمال ويفقد لبنان حكومة رسمية تستطيع التعامل مع المجتمع الدولي. ويبدو أن الفرج ليس بقريب إلا إذا حلّت معجزة أو خفف “الثنائي الشيعي” من شروطه والتفت إلى معاناة الناس التي تغرق في الفقر والجوع. ولذلك يبقى ميقاتي بين نارين: نار إصرار رئيس الجمهورية ميشال عون على دعوة مجلس الوزراء للإجتماع بمن حضر، ونار “حزب الله” و”حركة أمل” الرافضين أي اجتماع للحكومة وهو لا يزال عند موقفه الذي أعلنه من قصر بعبدا بعد لقاء مع عون: “حكومة في بس مجلس وزراء ما في”.