وتيرة الإنهيار تُسرع الخطى، الأزمات المعيشية تتفاقم، دائرة الفقر تتسع، والهيكل يكاد يسقط فوق رؤوس الجميع. حجم التحديات الماليّة والإقتصاديّة التي تواجه البلد تتطلّب حكومة “سوبر” منتجة، تُبقي جلساتها مفتوحة ليل نهار، تنجز بأيام ما يحتاج لأشهر، وربما غير مبالغ فيه القول إنّ الأزمة غير المسبوقة بتاريخ لبنان تستوجب حكومة بصلاحيات استثنائية، كي تتمكّن من وقف عجلات الإنهيار، وإنتشال البلد من المستنقع الخطر الذي يتخبط به.
لكن ما حصل على أرض الواقع، أنّه لم يكن مضى شهر واحد على تأليف الحكومة حتى عاجلتها كرات النار الملتهبة من الداخل والخارج، وشلّ اجتماعاتها إصرارُ الثنائي الشيعي على تنحية المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، ومقاطعته جلسات الحكومة للضغط على رئيسها لإتخاذ إجراء “يقبع”خلاله المحقق العدلي. لكن موقف الرئيس نجيب ميقاتي منذ اللحظة الأولى كان ولا يزال هو نفسه “تنحية أو عدم تنحية القاضي البيطار أو غيره هو شأن قضائي، وأيّ إجراء من هذا النوع لا يدخل ضمن صلاحيات الحكومة، وبالتالي لا يمكن لمجلس الوزراء والسلطة التنفيذية البت بالملف”.
تعاظمت الضغوط واستمر تعطيل جلسات مجلس الوزراء، وتمّ افتعال مشهدية الطيونة، لكن ميقاتي لم يخضع، وبقي متمسّكًا باحترام مبدأ الفصل بين السلطات وعدم التدخل بالسلطة القضائيّة، الأمر الذي دفع بالثنائي الشيعي للبحث عن طرق أخرى لإزاحة المحقق العدلي خارج مجلس الوزراء، فكان استحضار صيغة عريضة الإتهام النيابية التي تحيل المُدعى عليهم من الرؤوساء والوزراء والنواب في قضية تفجير مرفأ بيروت على المجلس الأعلى لمحاكمة هؤلاء، لكن هذه الصيغة النيابية لم تنجح، بعدما طرح تكتل نيابي مقايضة الإطاحة بالبيطار لقاء الإطاحة باقتراع المغتربين. تم أتت أزمة تصريحات الوزير المستقيل جورج قرداحي لتزيد الطين بلّة وتقطع علاقات لبنان الدبلوماسية والتجارية مع معظم الدول الخليجية.
الرئيس ميقاتي لم يقف مكتوف اليدين طيلة هذه الفترة، بل قام بجهود استثنائية محليّا وخارجيّا، لإعادة وصل ما انقطع مع الأشقاء العرب من جهة، ولمعاودة جلسات مجلس الوزراء من جهة ثانية، بحضور كلّ المكونات الحكوميّة، لإقفال الباب على أيّ انتكاسة سياسيّة جديدة تزيد الأمور تعقيدًا. بالتوازي فعّل عمل اللجان الوزارية، فتحوّلت السراي الحكومي إلى خليّة نحل، وواصل الفريق الوزاري مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي. بالمقابل كان هناك أفرقاء يدعونه إلى معاودة جلسات مجلس الوزراء بمن حضر، ومن أنصار هذا الرأي، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في حديثه أمام وفد من نقابة المحررين قبل يومين، فيما ذهب البعض الآخر إلى دعوة رئيس الحكومة للإنتفاضة على هذا الواقع، وقلب الطاولة أمام المعطّلين وتقديم استقالته.
فهل هذه الصيغ واردة في أجندة الرئيس ميقاتي؟
في معرض الإجابة، يطرح عضو كتلة الوسط المستقل النائب علي درويش سؤالين : ما هو الحل للمعضلة الحكوميّة؟ وما هو دور الرئيس ميقاتي؟ في حديثه لـ “لبنان 24” ينطلق درويش من الإشارة إلى أنّ نهج ميقاتي هو بالأساس صيغة تقارب وتلاقٍ وتدوير للزوايا، وليس صيغة صدام أو تشجيع على الإحتكاك الداخلي. وفي واقع محكوم بجملة من التناقضات التي نحيا فصولها، يتطلع رئيس مجلس الوزراء إلى تأمين ما أمكن من لحمة داخلية ضرورية لمعالجة الأزمات المستفحلة، وهذا لا يكون إلّا من خلال لمّ الشمل الداخلي، وعدم زيادة التشرذم. مضيفًا “أنّ خارطة الطريق واضحة لدى الرئيس ميقاتي، في الموضوع الخليجي استنهض الهمم الدولية بما فيها الفاتيكان وفرنسا، لإعادة وصل ما انقطع مع الدول الخليجيّة، وسيستكمل هذا المسار. في الموضوع الداخلي دعا كلّ الأفرقاء لملاقاته في منتصف الطريق، مع التأكيد على ثوابته في موضوع استقلالية القضاء وعدم القيام بأيّ أمر مخالف لقناعاته. أمّا الدعوة إلى جلسة حكوميّة بظل مقاطعة فريق فهو بمثابة قفزة في الهواء، لن يُقدم عليها، وسيواصل مساعيه لمعاودة جلسات مجلس الوزراء بكامل أعضائه، ليكون صيغة جمع لا صيغة تفرقة. وأيّ جلسة حكوميّة بظل الصيغة الراهنة ستزيد من الإنقسام الداخلي. بالتالي خارطة الطريق حاليًا قائمة على اجتراح الحلول على قدر المستطاع، والعمل على إنجاز كامل الملفات كي لا يتم هدر الوقت الراهن، لأنّه فور انطلاق عجلة الحكومة من جديد، سيكون قد تمّ إنجاز كافة الدراسات المطلوبة والمسودات التي نحتاجها للعمل في المرحلة القادمة”.
يبقى أنّ شعار الإستقالة الذي يطرحه البعض عن حسن نيّة ربما، من شأنه أن يحقق مبتغى فريق سلطوي، ويعبّد الطريق أمام مراميه، من دون أن يتكبّد الأخير أي عناء، خصوصًا أنّ الفراغ الحكومي سيكون مدخلًا للإطاحة بالإنتخابات النيابية، والتمديد للمجلس النيابي ورئاسة الجمهورية، أو بأحسن الأحوال الدخول في مرحلة من الفرغ الرئاسي. فهل يدفع البعض باتجاه هذا السيناريو؟
المصدر: لبنان 24