ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء اليوم ليتخطّى الـ25 ألف ليرة للدولار الواحد، وسجّل 25050 للمبيع و25100 للشراء، بعد أن سبق له تجاوز هذه العتبة للمرة الأولى في أواخر أيام الفراغ الحكومي قبيل تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية.
وبعد نحو سنة ونصف السنة على إصدار التعميم 151 من مصرف لبنان (21 نيسان 2020)، والقاضي بسحب الودائع بالدولار على أساس 3900 ليرة لبنانية، وفق سقف محدّد للسحوبات الشهرية، أعلن مصرف لبنان، اليوم، في تعميم جديد، رفع سعر صرف الدولار من 3900 ليرة إلى 8000 ليرة على أن يُحدَّد سقف السحوبات الشهرية بحدّ أقصاه 3000 دولار أميركي.
وعن ارتباط التعميم المذكور بارتفاع سعر الدولار بشكل إضافي، يشرح العميد الجامعي والباحث الاقتصادي البروفيسور روك-انطوان مهنا أنّه “عندما صدر التعميم 151 وسمح للمودِع بسحب أمواله على سعر 3900 ليرة، كان سعر الدولار في السوق الموازية حوالي 8000 ليرة، بينما اليوم تخطى عتبة الـ 25000 ليرة وكان المواطن لا يزال يسحب دولاراته على سعر 3900 ليرة من المصرف”
هذه الزيادة إلى 8000 ليرة تحتمل خطورة، وفق مهنا، “تجلّت في أوّل ردّ فعل في السوق الموازية، عبر غياب العرض على الدولار، إذ ليس واضحاً توجّه السوق بعد. لكن في حال لم تنخفض سقوفات السحب بالليرة، فيما سيسحب المودِع دولاراته على سعر 8000 ليرة، سنشهد طباعة لليرة وتضخّم في الكتلة النقدية الوطنية، ما سيؤدي إلى تضخم في الأسعار وتدهور أكثر في قيمة الليرة”.
وفيما يجتاز سعر الدولار حاجزاً تلو الآخر في مسارٍ تصاعدي، هل تجاوز بسعر الـ25000 الحاجز النفسيّ في سوق العملات؟
بات معلوماً أنّ سعر صرف الدولار مرتبط بشكل وثيق جداً بالجو السياسيّ؛ وهذا ما يؤكّده مهنا،إذ أن إشارات إيجابية كمبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، التي من شأنها وقف التصعيد السياسيّ إلى حين وضوح الأجواء الإقليمية بناءً على مفاوضات فيينا، أعطت مؤشّراً إيجابياً دفع بسعر الصرف إلى التراجع نحو ألفي ليرة، لكنّه لم يقدّم عاملاً أساسياً لانخفاض سعر الصرف.
إلى ذلك، يُعيد مهنا مشكلة الدولار إلى الجزء الأساسي المتمثِّل بالوضع السياسي الداخلي من عمل الحكومة وتفاوضها مع صندوق النقد وتنفيذ الإصلاحات، وهي إجراءات من شأنها إعادة بعض الثقة ليتحسّن سعر الصرف، “لكن هذه الإجراءات لم تحصل حتى الآن، لا بل على ما يبدو أنّها بعيدة”.
لذلك، يمكن القول – وفق مهنا – إنّ “التقلّبات في سعر الصرف ما هي إلّا تأرجحات صغيرة من هنا وهناك، وتأثيرها قصير المدى، فتوجّه الدولار اليوم صعوداً، وتدهور الليرة مستمرّ، ولا شيء يوقفه”.
واقتصادياً، مع رفع الدّعم عن المحروقات، يزيد الطلب على الدولار من السوق السوداء، ما يؤدّي إلى ارتفاعه بشكل إضافي.
تتشارك الخبيرة في الشأن النقديّ، الدكتورة ليال منصور، الرأي في ما يتعلّق بالمسار التصاعدي لسعر صرف الدولار، مع البروفسور مهنا، “فمسار الدولار تصاعديّ، ولن يتوقّف عند أرقامٍ مهما كبُرت”، هذا ما أوردته في حديثها لـ”النهار”.
ولهذا الإرتفاع سببان:
السبب الأول هو الاقتصاد المدولر في لبنان؛ فمنذ ما قبل الانهيار (العام 2018)، كان الدولار يقيَّم بـ3000 ليرة، أي إنّ قيمته الحقيقية لم تكن 1500 ليرة إنّما 3000 ليرة، وأدّى ذلك إلى انفجار سعر الصرف؛ ومن الطبيعي أنّه لدى انفجاره، لا يمكن أن يعود إلى سابق عهده.
السبب الثاني هو دخولنا في مرحلة جديدة من الأزمة لدى اعتراف وإقرار الدولة بالتضخم. فعادة الحكومات أن تعترف بالتضخم عبر طريقتين، إمّا عبر الإقرار به ومحاربته، وإمّا عبر الإقرار به وإدخاله في حياة الناس والتأقلم معه.
والحكومة في لبنان، اعترفت بالتّضخّم، واستسلمت له، ولم تقم بأيّ إجراءات لمحاربته، بالتالي: “الدولار سيرتفع بشكل أسرع”، بحسب منصور، و”هذا التصرّف هو في المرحلة الأخطر من الأزمة، إذ إن سعر الدولار سيُصبح خارج السيطرة، ونضطرّ إلى طباعة إضافيّة للّيرة”.
وعن تجاوز الدولار حاجز الـ25000 ألف ليرة، علمياً، نجد أن هناك ما يسمّى “بالسعر المقاوِم”. وعادة ما يتراوح سعر الصرف حول السعر المقاوم، فعندما يكسره يرتفع بسرعة، ويجد لنفسه سعر صرف مقاوِماً آخر؛ الأمر لا يعود لأسباب نفسية فقط، كما تشرح منصور، فارتفاع الدولار كلّ مرّة يؤدي إلى ارتفاع آخر، ونتحدّث هنا عن الـ mimetic effect، أي عندما يقلّد الناس بعضهم البعض خلال الأزمة الاقتصادية، خصوصاً بما يتعلّق بسعر الدولار حين يرتفع بسرعة.
وفي هذا الإطار، يتقاطر الناس إلى طلب الدولار لدى ارتفاع سعره، ما يؤدّي إلى ارتفاع إضافيّ في سعره. لكن بعد ذلك، تهدأ هذه الحركة، وتحدث التقلّبات الطفيفة.
وقد حدث هذا مرّات عديدة خلال هذين العامين من الأزمة، عندما شهدنا أسعاراً مقاوِمة مثل الـ3000 ليرة والـ9000 ليرة والـ12000 ليرة. لكن – وفق منصور – “سعر الصرف المقاوِم من المفترض ألّا ينكسر بسهولة، إنّما بمجرد أن ينكسر، يصبح من المؤكد أنّه سيرتفع مجدّداً لا محالة”.
وفيما تخطّى سعر الصّرف عتبة الـ25000 ليرة مرات عديدة، فهل هذا يعني ألّا عودة إلى الوراء؟
بعد أن تخطّى هذا الحاجز بسهولة، تتوقّع منصور أن “يرتفع سعر الصرف ألفين أو 3000 ليرة إضافية ليعود فيهدأ”، لأنّ في لبنان، يتأثّر الناس كثيراً بالإشاعات وبتصرّفات الآخرين، فالسلوكيّات المالية والاقتصادية خلال الأزمات، تتّسم بتقليد البعض لبعضهم من دون فهم أو معرفة الأسباب.
النهار