صباح اليوم، توجّه ابراهيم إلى أحد الصرّافين ليصرف مئة دولار. فاجأه الصرّاف بأنّ “هذه المئة دولار بيضاء، وأصرفها بثمانين دولاراً فقط”. فأخذها ابراهيم، وتوجّه إلى omt، ليحوّلها باسم زوجته، التي استلمتها في فرع آخر، مقابل 94 دولاراً (ستة دولارات كلفة التحويل)، وأخذها منها وصرفها.
هذه الرواية تؤكّد البيان الذي أصدرته OMT بعد ظهر أمس، لتعلن أنّها تقبل “الطبعة البيضاء” من فئة المئة دولار (الصادرة بين الأعوام 1996 – 2013 صورتها أدناه)، في حين بدأ عدد من الصرّافين يرفضونها لابتزاز المواطنين.
هو بابُ جديد فتحه اللبنانيون على أنفسهم فوجده الصرّافون “شحمة على فطيرة” من أجل “هبج” المزيد من دولارات اللبنانيين. هذا الباب عنوانه هذه المرّة: حسم مقطوع على كلّ مئة دولار “بيضاء” من النسخة القديمة.
هذا الباب قد يخلق المزيد من الضغوط على سعر الصرف، وقد يتسبّب بارتفاع الدولار مقابل الليرة في الأيام القليلة المقبلة.
فقيمة الحسم الذي يقترحه الصرّاف على حامل المئة “البيضاء” مفتوحة. وقد ترتفع خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة لتصير بلا سقف، مشرِّعة الباب أمام “سوق سوداء” جديدة داخل “السوق السوداء” نفسها، ما بقيت هذه الدولارات عالقة في الداخل اللبناني وتدور وتدور بلا إمكانيّة لشحنها إلى مصدرها، أي إلى الخزانة الأميركية التي تملك صلاحيّة تلفها وطباعة دولارات جديدة بدلاً منها.
لكن لماذا لا تستطيع المصارف، أو مصرف لبنان، أو الصرّافون شحنها؟
في لبنان شركة واحدة قادرة مرخّصة من الخزانة الأميركية، وقادرة على التواصل معها مباشرة، وهي “شركة مكتّف”، المتوقّفة عن العمل بسبب دعوى قضائية، وقرار اتّخذته القاضية غادة عون بختم مكاتبها بالشمع الأحمر. وما زال القرار عالقاً في أدراج النيابة العامّة التمييزية في قصر العدل.
يكشف مصدر صيرفي في اتصال مع “أساس” أنّ باب الابتزاز الجديد “خلقه المواطنون أنفسهم، ثمّ وقعوا ضحيّته”، وذلك بواسطة “شائعة تناقلوها فسلكت طريقها في السوق الموازي كالنار في الهشيم”. بدأت هذه الشائعة قبل أيام مع رفض مواطنين الحصول على هذه الدولارات، بلا أيّ سبب، مع العلم أنّ هذه الفئة من العملة سليمة، ويجري التداول بها داخل الولايات المتحدة الأميركية إلى اليوم. هذه البدعة استهوت الصرّافين، ووجدوها مصدراً جديداً للتكسّب، فباتوا يطالبون بحسم دولارين عن كلّ “مئة دولار بيضاء”.
ويضيف المصدر أنّ بعض هؤلاء الصرّافين بات “يشطح”، فيطالب بحسم 3 أو حتى 5 دولارات، فيُضطرّ “المحروق” من المواطنين إلى أن يوافق على هذه الحسبة في بعض الحالات. وبدورها، طالبت شركات الشحن بـ”حصّة” من هذه الغنيمة الجديدة، فأصبحت تتلقّى دولاراً واحداً من الصرّافين لقاء كلّ “مئة دولار بيضاء”، فيما الصرّافون يحدّدون حجم هذه “الخوّة” بحسب الظروف.
ماذا يقول مكتّف؟
مدير ومالك شركة “مكتّف للصيرفة”، ميشال مكتّف، له كلام آخر أكثر خطورة. يقول إنّ هذه الأزمة “آيلة إلى التفاقم أكثر فأكثر” مع مرور الوقت، وإنّ نسب الحسم المقدّرة بدولارين أو ثلاثة “مؤقّتة ومرحلية”، إذ قد ترتفع ارتفاعاً كبيراً، وربّما تصل إلى 20 أو 30 دولاراً مع الوقت، وربما 50 دولاراً عن كلّ 100 دولار “بيضاء”، والسبب في ذلك يعود إلى “غياب الـregulator القادر على شحن هذه الأموال إلى الولايات المتحدة مباشرة”، من أجل تلفها وإحضار دولارات جديدة بديلة منها: “فلا شركات مرخّصة تستطيع التواصل مع الخزينة مباشرة مثل شركتنا، فيما الشركتان أو الثلاث شركات الموجودة في السوق الآن قدراتها محدودة”.
يلفت مكتّف إلى أنّ “مسؤولية توفير الدولارات الجديدة في كل لبنان كانت واقعة على عاتقنا فقط، لكن مَن في السوق اليوم قادر على تحمّل عبء ومخاطر نقل هذه الأموال جوّاً وبهذه الكمّيّات؟ بل هل من عاقل مستعدّ للخوض في هذا العمل في ظروف كالتي نمرّ بها اليوم وفي ظلّ سلطة تمعن في تقوية السوق السوداء وزيادة تسلّط المافيات؟”. ويجيب: “أنا أشكّ!”.
يكشف مكتّف لـ”أساس” أنّه منذ توقيف شركته عن العمل طوال هذه المدّة، ومنذ العراضة التي قامت بها القاضية غادة عون أمام مكاتبه في عوكر: “كانت الدولارات الجديدة والنظيفة تخرج مع المسافرين أو تُخزّن في البيوت، فيما تبقى الأموال البيضاء القديمة قيد التداول بين الصرّافين وفي المصارف”، الذين بدأوا اليوم يتلمّسون حجم الارتباك.
يقول مكتّف إنّ “مصرف لبنان والمصارف لم تتوقّف خلال الأيام الماضية عن الاتصال بنا من أجل هذه الأزمة خصيصاً”، فأغلب المصارف تملك كميّات كبيرة من هذه الأموال التي بات الجميع يرفضها، لكنّها تضعها للمواطنين في الصرّافات الآليّة، وهي في الوقت نفسه سترفض الحصول عليها “كاش” من أجل تسديد فواتير الاستيراد في المقبل من الأيام.
هذا يعني، بحسب مكتّف، أنّ “المزيد من الضغوط ستُمارس على سعر الصرف”، لأنّ سحب هذه الكميّات الكبيرة من الدولارات الموجودة في السوق، واعتبارها غير موجودة أو تعليق التعامل بها إلى حين، سيتسبّبان بأزمة سيولة دولار، وسيزيدان من “إمعان وتسلّط السوق السوداء على اللبنانيين”.
بمعنى آخر، إذا كان التاجر يملك 100 ألف دولار، وبينها 30 ألف دولار من النسخة القديمة، فهو فعليّاً بات يملك 70 ألف دولار فقط إلى حين البحث عن حلٍّ عمليّ لهذه المشكلة. وهذا ينسحب على المواطنين والمصارف، وطبعاً على شركات تحويل الأموال التي بدأت تشكو أيضاً من عدم قبول المواطنين الحصول على هذه الدولارات. أمّا شركات الشحن العاملة حالياً، فلن تكون قادرة إلاّ على شحن هذه الدولارات بكميّات متواضعة ولقاء نسبة الحسم “البدعة”، لكن ليس إلى الخزانة الأميركية، وإنّما إلى دول أخرى تقوم الشركات فيها بشحن هذه الأموال إلى تلك الخزانة.
المصدر أساس ميديا- عماد الشدياق