كتب ناصر زيدان في “الأنباء الكويتية”:
تبدو الأزمة الخانقة التي يعيشها الموظفون الذين أودعوا تعويضات نهاية خدمتهم في المصارف بمنزلة الكارثة الحقيقية، وهؤلاء من أكثر الفئات تضررا، ويعيشون ظروفا قاسية وصعبة الاحتمال، لأن قيمة مبالغ تعويضاتهم وفوائدها أصبحت زهيدة ولا تكفي لتوفير حد أدنى من متطلبات العيش، كما أنهم لا يستطيعون سحب ودائعهم لتوظيفها في أي عمل يؤمن لهم مدخولا ماليا، وهذا الأمر ينطبق على الذين أنهوا مخدوميتهم الوظيفية هذا العام ايضا، فتعويضاتهم التي يفترض أن يعيشوا منها بقية حياتهم تكاد لا تساوي شيئا.
ولم يعد بمقدور غالبية هذه الشريحة من المواطنين العمل مجددا لتوفير مصدر للعيش بكرامة، كونهم أصبحوا في سن متقدمة وأحيلوا الى التقاعد من دون رواتب تضمن لهم شيخوختهم، لأن موظفي القطاع الخاص والمؤسسات العامة في لبنان غير مدرجين ضمن الفئة التي تقبض معاشا شهريا بعد سن الـ64 كما هو حاصل مع موظفي الدولة المثبتين وأعضاء نقابات المهن الحرة.
واضافة الى مأساة هذه الشريحة الواسعة، فقد سببت الأزمة السياسية والمالية كارثة حقيقية لدى الصناديق الضامنة التي تقدم خدمات صحية واجتماعية لغالبية اللبنانيين، ومنها صندوق الضمان الاجتماعي وصندوق تعاضد أساتذة الجامعة اللبنانية وصندوق تعاضد القضاة وشركات التأمين المتعاقدة مع نقابات المهن الحرة للأطباء وللمحامين وللمهندسين والصيادلة والصحافيين وغيرهم، فتعرفة هذه الصناديق والشركات تدفع للمستشفيات والصيدليات بالتسعيرة الرسمية ولا تساوي 30% من قيمة الفاتورة عن المضمونين، وتطلب المستشفيات من المرضى تسديد باقي قيمة الفاتورة التي تصل أحيانا الى عشرات الملايين من الليرات، بينما الغالبية الساحقة من المضمونين ـ ومنهم عسكريون ومتقاعدون ـ ليس لديهم أي مدخول يمكن أن يساعدهم على تسديد هذه الفواتير، وقيمة رواتبهم او مداخيلهم متدنية الى حدود تثير الشفقة بعدما خسرت العملة اللبنانية ما يقارب 90% من قيمتها الشرائية.
الموضوع المالي مطروح أمام جلسات مجلس النواب، بما في ذلك تنظيم اتفاقيات مع البنك الدولي تشمل تقديم برامج مساعدات معيشية على خلفية أزمة كوفيد-19، ومجموعات الدفاع عن المودعين تطالب بشمول الاتفاقيات ضمان قيمة ودائع شريحة الموظفين الذين أنهوا خدماتهم، كما أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة الذين يعتاشون من فوائد هذه الودائع باعتبارها جنى عمرهم، وكذلك يطالبون بالسماح لهم بسحبها من البنوك واستثمارها في مجالات منتجة.
لكن المأساة التي يعيشها هؤلاء المودعون ليست في امتناع المصارف عن إعادة أموالهم فقط، بل في تدني قيمة الودائع بالليرة اللبنانية. ويرى خبراء مختصون أنه لا بد من التفاوض مع المصارف ومع البنك الدولي لحفظ القيمة الشرائية لأموال صغار المودعين من خلال برنامج يكفل تسديد هذه المبالغ بالعملة الصعبة او بما يوازيها بالعملة المحلية، لأن جوانب الموضوع لها بعد انساني، ويجب معالجته من هذه الزاوية. وغالبية اللبنانيين ليسوا فقراء ولا معوزين، وليسوا بحاجة الى حصص غذائية، بل يحتاجون الى تحرير أموالهم من المصارف، وإبقاء قيمة هذه الأموال، كما كانت عليه قبل حصول الانهيار.
وما يزيد «الطين بلة» أن البيئة الاستثمارية في لبنان انعدمت الى الحدود الدنيا، من جراء الاضطراب السياسي الذي سببه الفريق الحاكم، وبسبب تعطيل عمل الحكومة، ولأن البلد بلا كهرباء وهي العمود الفقري الذي يحرك كل الأعمال.
الأمل معقود على نجاح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مسعاه الأخير مع دول الخليج العربي لإعادة مجاري العلاقات بين لبنان واشقائه الى مسارها التاريخي، كما أن صفاء النوايا السياسية عند أصحاب القرار في الخارج ضرورية للمساعدة، لأن النمطية القائمة عند غالبية هؤلاء أقرب الى اعتماد لبنان كمساحة مساومة على ملفات كبيرة، وبعضهم حول السفارات في بيروت الى مكاتب انتخابية تعمل على تشجيع مرشحين وتمول حملات دعائية لقوى ومجموعات مختلفة.