تعود أزمة النفايات مجدداً إلى الشوارع، إنما هذه المرة ليس من باب إقفال مطمر الكوستابرافا أو برج حمود، بل من باب إضراب عمال شركات الكنس وجمع النفايات في جبل لبنان وبيروت.إنها الأزمة الجديدة القديمة، التي لطالما وقفت الحكومات عاجزةً عن إيجاد الحلول النهائية لها، واكتفت باختراع الحلول الترقيعية والتي لم تعد تنفع اليوم مع غرق الشوارع في العاصمة والمناطق بالنفايات.
طرفا الأزمة اليوم هما وزارة البيئة ومن خلفها مجلس الوزراء، والشركات المكلّفة عمليات الكنس وجمع النفايات، فيما المواطنون، والذين لا تنقصهم الأزمات، يواجهون مجدداً مشهد النفايات الذي يحتلّ الشوارع، خصوصاً وأننا على أبواب الشتاء، الأمر الذي يزيد المخاوف من تسلّل عُصارة النفايات إلى المياه الجوفية والأنهر والينابيع.
الحلول باتت على الطاولة
هذه المشاكل حملناها الى وزير البيئة ناصر ياسين، الذي أكد أنه عقد سلسلة اجتماعات أمس مع وزير الداخلية، ومحافظي بيروت وجبل لبنان، إضافة الى بلدية بيروت واتحاد بلديات الضاحية وبلدية الشويفات واتحاد بلديات المتن، لايجاد حلّ عملي وسريع لأزمة النفايات، وتمّ طرح أكثر من حلّ لتدارك تفاقمها في ظل اضراب المتعهدين.
واذ كشف أن العمل جارٍ لتعديل العقود بين مجلس الانماء والاعمار والمتعهدين، لفت إلى أن هذا الأمر تأخر نظراً لمشاكل في مجلس إدارة الإنماء والإعمار، وبالتالي يجب الإسراع في الموضوع لعدم تأخير العقود.
وقال الوزير ياسين في حديث لـ”لبنان 24″ إنه من الضروري العمل بشكل متوازن مع البلديات والمجالس المحلية لضبط هذه المشكلة بأسرع وقت ممكن، وعليه تمّ الإتفاق معهم في اجتماع أمس على أن يكونوا حاضرين لرفع النفايات والقيام بكل الجهد المطلوب لعدم تفاقم الأزمة.
واذ اعتبر أن هناك واقعاً مؤسساتياً وإدارياً لا يساعد على اتخاذ القرارات بطريقة سريعة، شدّد على أن أحداً لا يمكنه، أو حتى لديه النية، أن يقف في وجه عمل المرافق العامة لأن النية موجودة لوضع الجهد المطلوب، لتعديل العقود لابقاء المرافق العامة تعمل، وبالتالي على الشركات العاملة أن تأخذ هذا الأمر بعين الإعتبار.
وقال: نحن نعمل وفق المسار الاداري ونبذل كل جهدنا ونسعى بكل الوسائل، لاتخاذ القرارات اللازمة، خصوصاً وأن مجلس الإنماء والإعمار مصرّ على السير بالتعديلات.
ورداً على سؤال عن مدى قدرة الوزارة على التوصل إلى حلّ واحدة من أكبر المشاكل التي تواجهها ، أكد أن الوزارة تعمل على معالجة موضوع النفايات الصلبة وهي تعمل على تحديث الإستراتيجية التي اعتُمدت في الفترة الماضية للوصول الى حلول مستدامة لهذا القطاع، وسيتم العمل على تنفيذ القانون 80/2018 الذي يحمل العديد من الجوانب التي يجب تطبيقها، إن لناحية الإدارة اللامركزية للنفايات، أو حتى الفرز من المصدر، إضافة الى انشاء الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة، لافتاً إلى أن الشقّ التقني في هذه الخطة، لا سيما لناحية البنى التحتية، قد وُضع جانباً بعد انفجار مرفأ بيروت والأضرار التي لحقت بمعملي برج حمود والكرنتينا.
ولفت إلى تقدم كبير في النقاش مع المانحين لتطوير وتصليح هذه المعامل، موضحاً أن أي حلٍّ مستدام لقطاع النفايات الصلبة، يحتاج لفترة انتقالية لمدة سنة على الأقل، لناحية العمل المؤسساتي والتقني كما الجهد المالي للوصول الى هذه الخطوات، إلاّ أنه في ظلّ الأزمات السياسية والتعطيل الحاصل، سيكون من الصعب تحقيق إنجاز خلال مدة زمنية قصيرة.
فتشوا عن الدولار
في المقابل، شرك المدير العام لشركة “سيتي البلو” ميلاد معوض، عبر “لبنان 24” أسباب عودة هذه الأزمة، وأبرزها ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية، ومع ما استتبع ذلك من ارتفاع في أسعار قطع الآليات، وضرورة التسديد بالدولار “الفريش”، ما شكّل صعوبات لدى الشركات، والتي تواجه في الأساس أوضاعاً مادية نتيجة الحاجة الدائمة إلى زيادة رواتب العاملين فيها في العامين الماضيين.
وقال معوّض إن شركات رفع النفايات عرضت هذا الواقع منذ أكثر من سنة ونصف السنة على الحكومة، ومن دون التوصل الى نتيجة ترضي الطرفين، لا بل زادت الأوضاع سوءاً مع استمرار ارتفاع الدولار في السوق الموازية، إلى أن انفجرت المشكلة مع رفع الدعم عن المازوت، وبالتالي باتت الشركات تعاني من عجز كبير خصوصاً وأن ما يتمّ تحصيله من الدولة، بالكاد يغطي الحاجة إلى المازوت.
وأوضح أنه في الإجتماع الأخير قبل شهرين مع رئيس الحكومة ومجلس الإنماء والإعمار، حصل اتفاق على حلّ المشكلة على جزئين: الأول من خلال تعديل سعر الشركة انطلاقاً من العقود التي تمّ توقيعها، مع الأخذ بعين الإعتبار الفيول والكميات المطلوبة، خصوصاً وأن كمية النفايات تراجعت نتيجة تراجع عمل المعامل، تراجع عمل المطاعم، إضافة الى تراجع النفايات المنزلية، وهذا الأمر معنّي به مجلس الإنماء والإعمار.
أما الجزء الثاني فهو يتعلق بقطع الغيار للآليات المستوردة من الخارج، والصرف على “الفريش” دولار، وبالتالي فإن أي قرار بهذا الخصوص، لا يعود إلى مجلس الإنماء والإعمار بل يتطلب قراراً من مجلس الوزراء، ولذا فالمطلوب ، صيغة معينة لحلّ هذه المشكلة.
وكشف أن الإجتماع مع الرئيس نجيب ميقاتي كان إيجابياً على هذا الصعيد حيث أنه وعد بمعالجة كل هذه الأزمات، ولذا كان وعد من الشركة للموظفين ، برفع الرواتب بانتظار الأجوبة النهائية. وبالتالي فإن ما يؤخر ظهور النتائج، هو عدم قدرة مجلس الإنماء والإعمار على عقد الجلسة بعد تنفيذ كل التعديلات على العقود، نتيجة غياب عضو من أعضائه بحجة تقديم استقالته. كذلك فإن غياب اجتماعات مجلس الوزراء، قد دفع الإدارة إلى التراجع عن وعودها بزيادة الرواتب للعاملين، ما أدى إلى ردّة الفعل السلبية الأخيرة وإعلان الإضراب، وعودة مشهد النفايات.
المصدر: خاص “لبنان 24”