بعد سنوات طويلة على نهاية أو انهيار “حلم” 14 أذار عقب انكسار التحالف الذي جمع تحت رايته، مجموعةً من القوى الحزبيّة والحركات والشخصيّات السياسية بعدما عبّدت دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الطريق لبناء هذا الحلف، يعود اليوم الحديث عن إعادة إحيائه مع اقتراب موعد الإنتخابات النيابية، ما يؤكّد أن جميع القوى التي انضوت ذات يوم تحت مُسمّى “14 أذار”، قد تشظّت نتيجة التفرقة وأصابها الوهن السياسي بعد تراجع حجمها النيابي وتهميش دورها الوزاري.
على الرغم من عدم قدرتها على تثبيت مشروعها السياسي “العبور إلى الدولة” بعد فوزها بالأكثرية النيابية في انتخابات العام 2009، وعلى الرغم من الإنتكاسات التي أصابتها لاحقاً بفعل الخلافات التي عصفت بين مكوّناتها، إلّا أنه يُسجّل لقوى “14 أذار” أنها تمكّنت في لحظة وطنيّة، من جمع أكثر من ثلثي الشعب اللبناني تحت راية موحّدة وخيار واحد، ومشروع يتّسع للجميع. لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل هناك نوايا سياسية حقيقية لاستعادة المشهد المليوني أو الأكثرية السياسية ، خصوصاً في ظلّ المعركة الإنتخابية التي يتحضّر لها الطرف الآخر في سبيل استمرار احتفاظه بالأكثرية النيابية؟
حتّى الساعة، لا يُمكن التماس هلال التحالفات الإنتخابية بما يتعلّق بالقوى السياسية التي كانت معنيّة بتحالف “14 أذار”، وذلك، على الرغم من وجود مساعٍ ولو ضئيلة أو حتّى فرديّة لحصول تنسيقٍ بين بعض الأطراف ولو ضمن أماكن مُحدّدة. وما يزيد من الشكوك حول فرضيّة أو مُحاولة استعادة هذه التوليفة دورها السابق، غيابُ التنسيق القيادي الذي يجب أن يبدأ من رأس الهرم، وهذا ما تفتقده “القوى” اليوم خصوصاً مع وجود الرئيس سعد الحريري خارج البلاد، من دون أن ترشح عنه أي إشارة فعليّة حول قراره المتعلّق بخوضه الإستحقاق الإنتخابي من عدمه، خصوصاً في ظلّ ما يرشح من معلومات تُشير إلى أنه لم يتّخذ بعد قراره النهائي في هذا الخصوص.
في السياق، ترى مصادر سياسية كانت معنيّة إلى حدٍ كبير بتحالف “14 أذار”، أن العلاقة بين أقطاب هذا التحالف كانت تندرج تحت راية 14 أذار، ولكن بعد انفراط عقد التحالف لم يعد هناك من اتفاقٍ او إطارٍ جامع لهذه القوّة التي كانت تدور في الفلك نفسه. وعلى الرغم من النظرة الموحّدة للأمور التي ما زالت تجمع بين هذه القوى ومنها ثوابت 14 أذار وهي أساس، إلّا انه باتت هناك خلافات حول الأمور السياسية والتنفيذية والتقنية. ولذلك، اتّخذ البعض قراراً بأن يبقى الأساس في إدارة الخلافات السياسية وهي كثيرة والتي تراكمت بشكل أصبح من الصعب حلّها دُفعةً واحدة.
أمّا مصادر “القوّات اللبنانية”، فتعتبر أن أي تحالف سياسي سواء 14 آذار أو غيره، يتطلّب ظروفاً سياسية أو وطنية لولادته، تماماً كما حصل في موضوع تحالف “14 أذار” أو “لقاء البريستول” أو لقاء “قرنة شهوان”. بمعنى أن هناك مساراً بدأ منذ العام 1990، من خلال تجاوز اتفاق “الطائف”، وطرد التمثيل الحقيقي للمسيحيين واعتقال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ثم جاء بعد ذلك اغتيال الرئيس الحريري وبقية الإغتيالات التي حصلت، لذلك، لا يُمكن الحديث عن إحياء أي اتفاق اليوم، من دون وجود هذه اللحظة الوطنية.
وتُضيف المصادر “القوّاتية”: بطبيعة الحال، نحن بحاجة إلى قوّةٍ تقف في مواجهة الفريق الآخر صاحب الأكثريّة النيابية، لكن مع هذا، فإن هذا الفريق هو مُشتّت اليوم، إذ أن لا شيء يجمع بين “التيّار الوطني الحر” وبين حركة “أمل” ولا بين “الوطني الحر” وتيّار “المردة” ولا حتّى بين سُنّة “8 أذار” وبعض مكوّنات هذا الفريق، وبالتالي فإن الحالة التفكّكية تُصيب كل القوى التي تفتقد إلى لحظةٍ وطنية تجمعها.”
وتُشير المصادر، إلى غيابٍ واضحٍ للقرار القيادي في شأن إعادة إحياء الإنتخابات، وعلى سبيل المثال فإن “الحزب التقدمي الإشتراكي” يؤكد أنه سيتحالف فقط إنتخابياً مع “القوّات”، وكذلك الأمر لم يُسجّل أي تعليق من الرئيس الحريري حتّى هذه اللحظة. وحدها “القوّات” طالبت بتوحيد الجبهة السيادية إنطلاقاً من قناعاتها ومشروعها ومن رؤيتها لكافة المسائل، وهذا ما يجعلها في صدام مع “حزب الله”.