كتب د. فادي خلف في ” نداء الوطن”:
حركة الدولار حالياً مقابل الليرة تُصَنَّفْ تقنياً ضمن الموجة الثالثة “WAVE 3”
الموجة الأولى 1983-1992: الموجة الأولى التحضيرية. ارتفع الدولار من 3،74 ليرات إلى 2755 ليرة.
الموجة الثانية 1993-2018: الفترة التصحيحية للاستراحة واستيعاب الارتفاعات السابقة.
الموجة الثالثة 2019-2020: الموجة الحالية وهي الأقوى. قد تنتهي بين عامي 2025 و 2028.
الموجة الرابعة : يتم تحديدها فور انتهاء الموجة الثالثة وتكون تصحيحية لاستيعاب ارتفاعات الموجة الحالية.
الموجة الخامسة: تتخطى مستويات الموجة الثالثة. ولن نتناولها حالياً نظراً لبعدها زمنياً.
تطبيقاً لذلك نقول إن الموجة الأولى التحضيرية بدأت في العام 1983 واستمرت حتى العام 1992. تلتها فترة استراحة دامت 26 عاماً حتى العام 2018. دولار لبنان يعيش اليوم الموجة الثالثة وقد بدأت في العام 2019، فماذا تخبرنا موجات “أليوت” عن مداها؟
تكون الموجة الثالثة حكماً الأسرع والأقوى من بين الموجات الخمس. وبحسب التسارع الحالي لارتفاع الدولار، يبدو أن الموجة الثالثة الحالية بدأت تتجاوز النسب المئوية المسجلة خلال فترة الحرب، حيث كان القطاع الخاص في حالة جيدة وأموال المودعين مصانة والدولار الورقي متوفر في المصارف. فكما تظهره المقارنة أعلاه، ارتفع الدولار في سنة 1984 بنسبة 63% فيما سجلت سنة 2020 وحدها ارتفاعات بنسبة 295%. وارتفع في العام 1985 بنسبة 104% في حين أن ارتفاعات العام 2021 تجاوزت حتى تشرين الثاني نسبة 200%.
الأرقام صادمة
للتذكير، ارتفع الدولار في الثمانينات وأوائل التسعينات من 3،74 ليرات إلى 2755 ليرة، أي 735 ضعفاً. وإذا طبقنا نفس النسب على سعر 1500 ليرة ستبدو الارقام حكماً صادمة لأي مراقب حيث ستتجاوز المليون ليرة للدولار الواحد بعد بضع سنوات. في كل مرة يستهجن فيها أحد أصدقائي هذه الأرقام أطرح عليه السؤال التالي؛ لو قال لك أحدهم في العام 1983 حين كان سعر الدولار 3،74 ليرات بأنه سيرتفع إلى 2755 ليرة أما كنت قلت انه يهذي؟ وأذكر يومها أنه حتى رقم 10 ليرات كان يبدو لنا مستغرباً، تماماً كما أن رقم 25000 ليرة كان يبدو للكثيرين ضرباً من خيال حتى الأمس القريب.
في بداية ارتفاع الدولار في الثمانينات صدم الرئيس كميل شمعون اللبنانيين بتوقعه الشهير لسعر الدولار، رافعاً ورقة الخمسين ليرة. عندها علا الاستهجان والاستنكار. فإذا بالواقع يتجاوز التوقعات ويصبح رقم 2755 ليرة رقماً كغيره من الأرقام المتداولة في العام 1992.
توحيد الاسعار
يتساءل الكثيرون كيف سيتعامل اللبنانيون مع هذا الواقع الجديد، خاصة أن المشكلة بنيوية وليست مرحلية كما يعتقدها البعض. تخبرنا معظم التجارب العالمية بأنه لا بد للسعر الرسمي بأن يلاقي سعر السوق السوداء عاجلاً أم آجلاً (وليس العكس). والتجربة المصرية الأخيرة تظهر بأن السلطات النقدية المصرية كانت تقوم برفع السعر الرسمي للجنيه لدى المصارف ليشكل ما لا يقل عن 50% من السعر في السوق السوداء، ثم تعود إلى رفعه مجدداً كلما ارتفع السعر في السوق السوداء، إلى أن استقر الوضع في النهاية على ملاقاة السعر الرسمي للسوق السوداء، مع فوارق مقبولة نسبياً. أما في لبنان فيبدو أن المصرف المركزي فضَّل أن تدور هذه النسبة حول 25% وما دون بدل 50% نظراً لتآكل الودائع بشكل كبير وفي محاولة لتخفيف التزاماته.
التأقلم سيد الموقف
هل يعني هذا أن الأزمة الحالية ستدوم 10 سنوات؟ هذا احتمال غير مؤكد، إذ كما يتبين أعلاه أن الموجة الثالثة هي دائماً الأسرع. وبالتالي قد يصل الدولار الى ارتفاعاته القصوى ما بين عامي 2025 و2028 وليس حكماً في 2028.
هل ستوازي الارتفاعات القادمة نسب ارتفاعات الدولار خلال الحرب أم ستتجاوزها؟ للأسف يبدو أننا قد تجاوزنا هذه النسب حتى الآن ولا يمكن التكهن بنسب التسارع المستقبلية. إن احتمال بلوغ مستويات خيالية يبقى مُرَجَّحاً. المرحلة القادمة ستكون صعبة وأليمة ولكن التأقلم سيكون سيد الموقف.
هل سيسترد اللبنانيون ودائعهم؟ نعم، سيقبض اللبنانيون دولاراتهم بالليرة اللبنانية على سعر منخفض يحدده مصرف لبنان وسيتم رفع الرواتب تحت الضغط المعيشي. ولكن القدرة الشرائية للمواطن لن تشكل أكثر من 20% من تلك التي تنعَّمَ بها حتى العام 2018. لتبيان ذلك يكفي مراقبة الحد الأدنى للأجور مُقَيَّماً بالدولار خلال الحرب، حيث انخفض الحد الادنى بنسبة 80% رغم الزيادات المتتالية التي أُعطِيَتْ ما بين عامي 1982 و 1992.
الحد الأدنى للأجور مُقيَّماً بالدولار الأميركي
في الخلاصة: كافة الحلول المطروحة حالياً لن تجدي نفعاً بانتظار استخراج النفط والغاز. حتى ذلك الحين دولار لبنان ستتقاذفه موجات “أليوت”. وحذار ثم حذار من المدى الذي ستبلغه الموجة الثالثة …