كتبت غادة حلاوي في” نداء الوطن”:
من المقرر ان يزور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يرافقه وزير المالية يوسف خليل قصر بعبدا للاجتماع مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. هدف الاجتماع او موضوعه الرئيسي هو التدقيق الجنائي بعد تهديد شركة “الفاريز اند مرسال” وقف عملها والانسحاب من الاتفاق الموقع بينها وبين الدولة اللبنانية، لاعتراضها على تعاطي حاكم مصرف لبنان واتهامه بحجب المعلومات المطلوبة للمرة الثانية على التوالي.
وردّاً على ما كشفته «نداء الوطن» أمس بهذا الشأن، أصدر مصرف لبنان بياناً توضيحياً حول التدقيق الجنائي، أكد فيه “المنحى الإيجابي في التعاطي مع شركة ألفاريز أند مارسال”، قائلاً ان “مصرف لبنان يقوم حالياً بدارسة هذه الملاحظات وتقديم الإيضاحات المطلوبة بغية تذليل أي عقبات قد تعترض قيام شركةA&M بمباشرة أعمالها”. سارداً بالتواريخ الخطوات التي قام بها مصرف لبنان والتي خلت من اي اشارة الى تسليم الشركة اية معلومات لغاية اليوم.
يؤكد صدور بيان سلامة وجود خلاف بين الشركة ومصرف لبنان، وقد جاء بمثابة الرد على تهديدات الشركة لكنه يقر ان عملية التدقيق الجنائي لم تبدأ بعد اي ان مصرف لبنان لم يلبِّ حاجات الشركة، مخالفاً بذلك تعهداته بالتعاون بدليل ما ابلغته الشركة للمعنيين بأنها لم تتسلم الا داتا مجتزأة، ولم يسمح لها بالاطلاع على اكثر مما يرتئي الحاكم الكشف عنه وهو لم يفِ بالغرض المطلوب.
وفي الوقائع فقد هددت الشركة وزير المالية صراحة بوقف العمل نهائياً في حال لم يسلم مصرف لبنان الداتا المطلوبة. ما وضع وزير المالية في حيرة بين تسهيل عمل الشركة والاستجابة لاستفساراتها ومراعاة حاكم مصرف لبنان.
وفق ما قالت الفاريز فان سلامة سلمها داتا لا تفي بالغرض بعد ان قام مسبقاً بعملية “تصفية” للمعلومات قبل تسليمها بما جعلها غير ذي جدوى بالمفهوم المطلوب لعملية التدقيق. منذ انطلاق عملها مجدداً لم تكن العلاقة سليمة بين الشركة وسلامة، الذي كان مستغرباً لدى البعض، كيف رفض تخصيص مكتب لعملها في مصرف لبنان وفق ما هو مفروض بل خصص مكتباً لها في وزارة المالية. حجب مصرف لبنان وفق مصادر معنية بالملف الداتا ورفض دخول مسؤوليها المكاتب والاطلاع على حسابات المصارف، ولم يسلم كلمة المرور للحواسيب التي تحفظ المعلومات، واعداً بمنح الشركة ما تريد من معلومات والاجابة عن اية استفسارات، ما فهم على انه محاولة متكررة للتهرب من عملية التدقيق الجنائي خاصة وان سلامة ابلغ مسؤولين كباراً في الدولة ورؤساء كتل نيابية، ان لبنان ليس بحاجة الى مفاوضات مع صندوق النقد وانه يملك القدرة على اجتراح الحلول في ما لو اطلقت يداه وصار بامكانه الاستفادة من ممتلكات الدولة.
تعاطي سلامة أكد لمصادر متابعة للملف انه لا يزال محمياً من المنظومة السياسية غامزة من قناة وزير المالية الذي لا يزال يتصرف بذهنية مستشار الحاكم او الموظف لديه، بدل ان يفرض عليه التعاون مع الشركة لإنجاح عملية التدقيق الجنائي. دون ان يفوت المصادر الاشارة الى انه لم يزل هناك من لا يريد تسجيل اي انجاز في عهد عون ويعمل على افشال التدقيق الجنائي.
فهل سنشهد قريباً نهاية للتدقيق الموعود خاصة وان المعلومات تقول ان تهديد الشركة جدي هذه المرة لانها لن تقبل الفشل والمس بسمعتها، وصار مسؤولو الشركة على قناعة بوجود جهات لا تريد التعاون وتضع العراقيل، ما كان سبباً لابلاغ وزير المالية جدياً الرغبة بوقف العمل بالعقد الموقع مع الدولة اللبنانية.
هذا الموضوع بكامل تفاصيله سيكون حاضراً خلال اجتماع بعبدا. والمعلوم ان رئيس الجمهورية يعتبر التدقيق الجنائي خطاً احمر ويصر على انجازه ليكون الانتصار الذي يتحقق في عهده. ومعنى العرقلة ان سلامة قرر فتح معركة كبرى في مواجهة عون وانعكاس ذلك على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، خصوصاً بعد كل التقارير التي وضعهتا “لازارد” وغيرها، وتتحدث عن ضرورة التدقيق المالي الجنائي كشرط من شروط الاصلاح المطلوب لجلب المساعدات.
واذا ما كانت الشركة فعلاً بوارد الاعتذار عن استكمال العمل بالعقد الموقع معها فمن سيتحمل العواقب؟ المشككون بنوايا الحاكم المركزي لا يفوتهم التذكير بتعاطيه غير المتعاون، ويذكّر هؤلاء بما سبق وقاله له مسؤول صندوق النقد سابقاً: “انت مفلس ولا توجد معلومات وما تقوم به جريمة بحق شعبك”.
فهل سيكون البلد امام معضلة جديدة عنوانها التدقيق الجنائي مجدداً، وهل صحيح ما يراه كثيرون من ان سلامة ما عاد يعير اعتباراً للمسؤولين في الدولة في ظل غياب الحكومة وتعذر محاسبته او اقالته، بعدما فشل طرح سلة التعيينات الادارية التي كان يفترض ان يكون تعيين البديل عنه من ضمنها؟
الاوضاع بالغة التعقيد وسط المؤشرات التي توحي بأن سلامة ليس بوارد التعاون مع العهد وان معركة النكايات بينه وبين عون ومن خلفه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تكمل طريقها، وسط اتهام للحاكم بالعمل على سد ديون المركزي من اموال المودعين وتحقيق انجاز جديد على حسابهم.