كتبت روزانا بو منصف في” النهار”:
كانت كلمة الاستقلال التي ألقاها الرئيس ميشال عون فرصة على الأقلّ من أجل أن يحدّد ما يمكن أن يحمله الى قطر في زيارته المرتقبة، والرغبة في التوسّط بين لبنان والدول الخليجية على الأزمة الكبيرة التي أدّت الى قطيعة ديبلوماسية وخليجية. لكنه اكتفى بترداد ما سبق أن قاله عن “موقف لبنان الحريص على إقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، ولا سيّما منها دول الخليج، انطلاقاً من ضرورة الفصل بين مواقف الدولة اللبنانية وبين ما يمكن أن يصدر عن أفراد وجماعات، خصوصاً أن مقتضيات النظام الديموقراطي في لبنان تضمن حرّية الرأي والتعبير. وإنّي أتابع السعي لحلّ هذه الأزمة المستجدة، وآمل أن يكون الحلّ قريباً”. ثمّة ملاحظات إزاء اللغة نفسها التي يعتمدها رئيس الجمهورية في ظلّ أكبر أزمة يشهدها لبنان وأخطرها، ولكن في الموضوع الخليجي تسأل مصادر ديبلوماسية: هل هذا ما يحمله عون الى قطر وإسباغه طابعاً مهمّاً لمشاركته في افتتاح فاعليات رياضية؟ فالموقف من الحرص على أفضل العلاقات يبقى إنشائياً كلامياً مصحوباً بملاحظة أساسية وهي كيف يمكن الفصل بين مواقف الدولة اللبنانية التي يفترض أنه هو من يعبّر عنها ولكن تعبّر عنها الحكومة ومجلس النوّاب كذلك وبين ما يمكن أن يصدر عن أفراد أو جماعات كما قال. فالرئيس عون هو أولاً جزء أساسي من المنطق الذي يغطّي “حزب الله”، فيما الأفراد أو الجماعات التي يشير إليها والتي يقصد بها الحزب من دون أن يسمّيه ليست أفراداً أو جماعات من المجتمع المدني بل هم شركاء أساسيون في الحكومة التي تتحدّث باسمهم أو يتحدّثون باسمها، وهم شركاء أساسيون في مجلس النواب. وهذه ذريعة بمثابة الضحك على العقول. فالمنطق الذي اعتمده في خطابه مكرّراً مواقف سابقة، ساقط من الأساس فيما يُفترض أن يحمل معه خطة عمل يسلّمها الى الوسيط القطري لتمكينه من أن يؤدّي دوراً إذا أراد ذلك أو استطاع الى ذلك سبيلاً. يضاف إلى ذلك أن لبنان الرسمي عجز حتى الآن عن القيام بأيّ خطوة تعطي مؤشّرات عن رغبة في تصحيح الأمور، اللهمّ إلّا كلامياً، ولا سيّما في ظلّ حسابات محلية يعتقد البعض أنها تندرج في إطار تعويم حظوظ جبران باسيل الرئاسية في مقابل المساهمة في إطاحة فرص رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية. ففي هذا الإطار تخشى مصادر سياسية كانت ترى فرصة كبيرة لفرنجية ومتحمّسة له في الرئاسة، من الحادث الأخير الذي تسبّب به الوزير جورج قرداحي. فهذه المصادر كانت تفضّل لو أن فرنجية قارب الموضوع بأسلوب آخر في سنة رئاسية بحيث تُحسب عليه كلّ خطوة، وهو كان تميّز بتسجيل نقاط لمصلحته في ظلّ غرق رئيس الجمهورية وتيّاره في إنهاك البلد لقاء مصالحهم الخاصّة خلال العهد العوني. ففرنجية الذي تربطه بالدول العربية علاقات جيدة وصداقة وثيقة بالرئيس السوري بشار الأسد لم تكن على رغم الموقف من هذا الأخير تشكّل عقبة فعلية أمام وصوله على غير ما هو الجلوس في الحضن الإيراني كليّاً كما هي حال باسيل المحسوب أصلاً على الحزب وإيران أكثر منه على النظام السوري. ولعل ما حصل قدّم هديّة على نحو غير مباشر لباسيل من حيث تأذي حظوظ فرنجية لأنه كمن أزال حملاً عن كاهله إزاء الفرص الكبيرة لانتخاب فرنجية على رغم أنه لا حظوظ لباسيل شخصياً مهما استخدم الرئيس عون من مناورات تصل الى حدود الفراغ الرئاسي من أجل إيصاله. فالأفرقاء السياسيون دفعوا ثمناً باهظاً كما أن لبنان بأسره تعلم درساً قاسياً من إيصال عون إلى الرئاسة ولا أحد ينوي تكرار هذا الخطأ الجسيم بإيصال صهره الذي ترك له عون المجال ليلعب دور رئيس الظلّ، ولا يمكنه أن يخضع اللبنانيين مجدّداً في 2022 للسيناريو نفسه الذي اعتمده في 1989 أو في 2016 لأن البلد انتهى، وهو بذلك يحفر للمزيد من إغراقه على عكس التجارب السابقة. يضاف الى ذلك أن اتجاه الحزب لفرض إرادته عبر تبنّيه أيّ مرشح سيؤدّي حكماً الى إطاحة فرصه ولا سيما في الظروف التي أدّت الى القطيعة الخليجية بسبب من ممارسات الحزب وسيطرته على القرار اللبناني. فحين كان النظام السوري يمارس ذلك فإنما لأنه كان يحظى بغطاء عربي نتيجة تدخله في لبنان في عام 1976 ثمّ لدى اجتياحه قصر بعبدا نتيجة رفض عون آنذاك اتفاق الطائف، وبدأت دمشق تفقد تأثيرها وتسقط حين افتقدت الغطاء العربي. ولكن الخيار الإيراني للبنان أو اختيار رئيسه لن يتكرّر مجدّداً مع تجربة مماثلة لعون. بل إن الأخير نسف منطق الرئيس الطرف أو الحزبي لأن المطلوب أن يكون الرئيس رئيس الدولة وأن يُنظر إليه كرئيس للبنانيين جميعهم لا كرئيس طرف سياسي أو رئيس طائفة. علماً بأن التجربة الرئاسية الحزبية والمحورية كانت كارثة بكلّ المعايير.