في إطار النقاش حول الانتخابات النيابية المُقبلة والرهانات الكبرى الداخلية والخارجية على نتائجها وارتداداتها على الواقع السياسي في لبنان، برز عنوان “تصويت المغتربين” وما رافقه من احتفالات افتراضية بالرقم الذي أقفلت عليه مهلة تسجيل المغتربين للاقتراع والذي تجاوز 240 الفاً، من قِبل جمعيات المجتمع المدني والإعلام المحلي الداعم لها على اعتبار أن هذا الرقم “المفاجىء” على حدّ تعبير البعض كفيلٌ بإحداث خضّة في الساحة السياسية.
لكن هذه الاحتفالات، حتى وإن كانت محقّة ومشروعة في حال ارتباطها بأصل حق المغتربين في التصويت وضرورة مشاركتهم في القرار السياسي في لبنان، الا أنها تحمل مبالغة إذا كانت مرتبطة حصراً بعملية التغيير اللصيقة الى حدّ بعيد بحراك 17 تشرين وتصوير اللبنانيين في الخارج على أنهم جميعاً مُنضوون تحت راية “لبنان ينتفض”!
وبحسب مصادر مطّلعة فإن غالبية المغتربين اللبنانيين هم من ذات النسيج الاجتماعي والسياسي في لبنان، إذ إن هؤلاء، وبحسب المصادر، ليسوا من كوكب المريخ أو أي كوكب آخر، وليس صحيحاً أن نقمتهم على الطبقة السياسية هي بالضرورة أكثر من غضب المواطن المُقيم في البلاد، بل على العكس، حيث أنهم لا يعيشون تفاصيل معاناة اللبناني اليومية الا عن بُعد سواء تفاعلوا معه عبر مواقع التواصل أو عبر المساعدات المالية والاجتماعية غير أن احتمال تمسّكهم بانتماءاتهم السياسية أكبر منه.
من هنا يمكن الانطلاق في توصيف المبالغة، إذ لن يتمكّن ربّما جميع المسجّلين للاقتراع من التصويت، حيث ان نصفهم، وبالاستناد الى نتائج العام 2018 سيدلي بصوته في صناديق الاقتراع وبالتالي فإن نحو 120 الف صوتاً قد يكون في جزئه الاكبر من المُحازبين وهذا الرقم سيتم توزيعه على 15 دائرة وبالتالي فإن المجتمع المدني لن يحصل في كل دائرة سوى على عدد محدود ومقبول من الأصوات.
وتعتبر المصادر أنه وفي حال قرّرت المجموعات المدنية خوض الانتخابات في كل دائرة بأكثر من لائحة فإن هذه الاصوات ستتوزع على عدد اللوائح وبالتالي ستحصل هذه اللوائح على بضع الاف من الاصوات التي لن تمكّنها حتى من تأمين الحاصل الانتخابي، وكيف اذا هو الحال أمام الجهود، المعلنة وغير المعلنة، التي بذلتها الاحزاب السياسية لاستقطاب أصوات المغتربين ودعوتهم للتسجيل اكثر مما قامت به في العام 2018 الامر الذي كان واضحاً لدى جميع المغتربين الذي شاهدوا هذا السعي الدؤوب بأم العين!
لعلّ اكبر الهواجس التي تسيطر اليوم على جزء من المجتمع اللبناني الرافض للطبقة السياسية هو أن تنعكس هذه الاحتفالات المشجعة إحباطاً بعد نتائج الانتخابات المقبلة، خصوصاً وان شريحة كبيرة من المغتربين المؤيدين للحراك في لبنان هُم من “المهاجرين” الجدد الذين انطلقوا من الحراك في الاصل وبقيوا معه منذ العام 2015 وهم صوّتوا عام 2018 من لبنان للوائح المعارضة وانتقلوا اليوم الى التصويت نفسه من مكان آخر، ما يعني أن تعظيم حجم التغيير من شأنه أن يحوّله الى وهم وبالتالي الى هزيمة معنوية لكل راغب بالإصلاح في لبنان.
المصدر: خاص “لبنان 24”