نحتفل اليوم بالذكرى الثامنة والسبعين لنيل لبنان استقلاله وكأنه لم يكن. ف “الاستقلال” بمفهومه العام يعني أن تستقّل الشعوب عن أي تبعية خارجية، وأن تكون الدولة المستقّلة سيدّة قراراتها، كل قراراتها من دون إستثناء. فهل هذه هو واقعنا اليوم؟ هل نحن مستقّلون بالفعل أم نكتفي برفع الشعارات فقط، خصوصًا أننا من بين أكثر الشعوب قاطبة التي تكثر لديها الشعارات وتكاد تنعدم الأفعال، التي من شأنها وحدها دون سواها أن تكرّس الإسقلال الحقيقي والفعلي؟ كيف نحتفل بذكرى الاستقلال في الوقت الذي تغيب فيه الحكومة أو بمعنى أوضح تُغيّب حكومة “معًا للإنقاذ” عن الإهتمام بهموم الناس، وهي كثيرة؟
نحتاج في لبنان اليوم إلى خمس حكومات مجتمعة بدلًا من واحدة لكي تتمكّن من تعويض الناس ما فاتهم في هذا الزمن الرديء.
تحتاج هذه الحكومة إلى كل يوم عمل وحتى إلى كل يوم عيد لكي تستطيع القيام بما هو مطلوب منه،
وقد علّقنا عليها الأمال العريضة، وكانت إنطلاقتها مزخّمة وتوحي بإمكان تحقيق ما لم يتحقّق في السابق،
خصوصًا أن على رأسها رجل لا توجد في قاموسه كلمة “مستحيل”، ولديه من قوة إرادة ما يجعله يوصل الليل بالنهار، عملًا وكدًّا.
فلا يكاد يُنهي إجتماعًا حتى يبدأ بآخر.
كيف نجرؤ على الإحتفال بذكرى الاستقلال وهناك بيننا مرضى غير قادرين على الدخول إلى المستشفيات،
وليس في إستطاعتهم أن يؤمّنوا الدواء الضروري لحالات كثيرة بعدما أصبحت أسعاره في متناول فئات معيّنة من الناس،
وهم أنفسهم الذين نراهم يملأون المطاعم والمقاهي.
كيف نسمح لأنفسنا بأن ندّعي بأننا مستقّلون في الوقت الذي نرى فيه عددًا كبيرًا من الأباء والأمهات ينامون من دون عشاء لتوفير الفتات لأولادهم؟
كيف نحتفل بهذه الذكرى ونحن على ابواب الأعياد المجيدة ونشهد أن بهجة تلك الأعياد غائبة عن مدننا وقرانا،
وأن الكثير من الأطفال سيُحرمون هذه السنة من فرحة إستقبال “بابا نويل”؟
كيف “ألنا عين” أن نجسر على التلفظ بكلمة الاستقلال ونحن في أمسّ الحاجة إلى ابسط مقومات العيش بكرامة وعزّة نفس مثلنا مثل كثيرين من شعوب العالم،
التي تحصل على حقوقها من دون منيّة أو “ترّبيح جميلة”؟
نستأهل أن نعيدّ الإستقلال الحقيقي يوم تُكشف حقيقة الجرائم التي إرتكبت،
ويوم يُترك القضاء يقوم بواجبه من دون أي تدّخل سياسي في عمله، لأنه من حقّنا الطبيعي أن نعرف جميعًا،
وبالأخصّ أهالي ضحايا إنفجار المرفأ، كيف حصل هذا الإنفجار، ومن هو المسؤول عنه، ومن هو المستفيد من تمييع الحقيقة وطمسها.
من حقّنا أن نعرف، وقبل التبجّح بأننا مستقّلون، كيف تبخرّت أموالنا،
وهي كل ما تبّقى لنا من “تحويشة” العمر، بعد شقاء أربعين سنة من العمل ليلًا ونهارًا.
من حقّنا، وقبل أن يجفّ حبر22 تشرين الثاني، أن تُقال لنا الحقيقة، ولو مرّة واحدة،
من دون أن تتعرض للتشويه والتمويه فتصبح مجردّة من معانيها الأصليّة، وتمسي كل شيء إلاّ الحقيقة بذاتها.
من حقّنا أن نحتفل بذكرى الاستقلال كما تحتفل بها شعوب الأرض المستقّلة فعلًا لا قولًا.
من حقّنا أن نسير وراء جيشنا الباسل وندعمه ونقويّه، ومن حقّنا أن نطالب بأن يكون هو وحده المسؤول عن أمننا وحمايتنا، في الداخل وعلى الحدود.
من حقّنا الطبيعي ألا تكون هذه الذكرى هي الأخيرة من بين ذكريات كثيرة تكاد تكون من الماضي الجميل.
من حقّنا أن نعرف معنى الفرح في هذه الذكرى وفي غيرها من الذكريات.
المصدر: “لبنان 24”