حول أعناق اللبنانيين تشتدّ الحبال في شكل يومي على المستويات كافة. من لم يهاجر علق في جهنم “معزولة عربياً” تنبت في ارضها الخصبة المصائب ويستفحل الغلاء الفاحش المرفق بتضخّم مخيف في ظل واقع أمني هشّ مهدد بالانفجار في كل لحظة. المواطن عاجز عن تأمين الحدّ الأدنى من حاجاته في ظلّ التفلت الكبير وغير المحدود لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، ويبدو الآتي أعظم في حال بقيت الأمور على حالها إذ لم يعد من سقف للدولار الأسود الذي يحكم كل العلاقات التجارية، وهو إلى ارتفاع من دون شكّ في ظل الظروف السياسية والمالية الراهنة، من دون إمكانية التنبؤ بالمستوى الذي قد يصل إليه، وفق ما يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة لـ”المركزية”، مشددا على أهمية أن “يكون المواطن حذرا ويحتفظ بالدولارات إن لم يكن بحاجة اليها إذ من الأفضل عدم بيعها لتحقيق أرباح آنية، فلا يبدو أي بصيص نور في الأفق”.
عن زيادة حدّة الأزمة نتيجة تدهور العلاقات مع الدول الخليجية، خصوصاً أن الجالية اللبنانية في هذه البلدان في خطر. يعتبر حبيقة أن “من الملحّ جدّاً حلّ المشكلة مع الخليج في اسرع وقت. لا يمكن للبنان أن يستمر من دون علاقات سليمة طبيعية معه. والمقلق عدم تلمّس أي همّ في أوساط المسؤولين اللبنانيين، فيبعثون بانطباع أن جهودهم غير كافة. هذه خطأ كبير ومن الضروري التحرك وبذل كل المحاولات والمساعي للحل وإعادة العلاقات أفضل مما كانت”.
ولفت إلى أن “من يزر الدول العربية يلاحظ التقدم الكبير فيها واللبنانيون جزء منه ومن المخزي إضاعة جهدهم وتعبهم بعلاقات ونفسيات تشبه السائد راهناً. الشعب يفقر يومياً ولا يمكن أن يتحمّل حتى موعد الانتخابات النيابية، خصوصاً أن الازمة شاملة”.
بالنسبة إلى المطالبة ببدء العمل بالبطاقة التمويلية وسط المخاطر التي تطال الأمن الغذائي، يرى حبيقة “أنها ليست الحلّ الجذري”، مشبّها إياها بـ”المسكنات الدوائية الموضعية. حتى أن المبلغ الذي تشمله ضئيل ولا تتخطى فترة صلاحيتها السنة. لذا الحلّ يكون سياسيا اقتصاديا شاملا”، مكرراً أن “لا نرى ورشة عمل من قبل المسؤولين ولا غرفة طوارئ تجمع القطاعين العام والخاص. فالمشاكل لن تحلّ وحدها بل تتطلب استعداداً هائلاً”.
ويتحدّث عن حسنتين لتبديل الدولار الجمركي “أوّلاً يزيد إيرادات الدولة وهي بحاجة إلى تحسين. ثانياً يمكن أن يخفف الاستيراد ويشجّع الصناعة الوطنية. في المقابل المشكلة في زيادة الأسعار وإذا عجز الإنتاج الوطني عن تلبية الطلب ازداد التضخم، ويكون الفقراء الأكثر تأثراً”.
وفي إطار متصل، كان الرئيس التنفيذي السابق لشركة “نيسان” كارلوس غصن الذي حقق نجاحات عالمية باهرة قادته الى اعلى المراتب، أعلن استعداده لانقاذ الاقتصاد اللبناني اذا طلبت منه الدولة ذلك، مشترطاً ألا يتقاضى بدل أتعابه ورافضاً أي منصب وزاري أو سواه. إلا أن الدولة لم تبادر إلى تلقف الاقتراح للاستعانة بخبرات غصن مثلما أهدرت طاقات وكفاءات العديد من اللبنانيين. ويعلّق حبيقة قائلاً “لا شكّ أن غصن يتمتّع بكفاءة كبيرة، إلا أن المشكلة في لبنان ليست في نقص الخطط بل في عدم تنفيذ أي منها وهي متوافرة بكثرة وتنوع من ماكنزي وغيرها. وإذا تقدم غصن بإحداها ووضعت على الرف فما النفع؟ الأجواء في البلاد لا توحي بنية في تنفيذ أمور جدية ضخمة وشاملة. للأسف الكفاءات غير مطلوبة في القطاع العام بل اشخاص يسيّرون الأمور تبعاً للمصالح والحزبيات العميقة بما لا يخدم البلد”، خاتماً “نحن في فترة تخفيف خسائر في انتظار الانتخابات التي نأمل أن ينبثق عنها ممثلون للشعب كفؤون لتشكيل حكومة وإجراء انتخابات رئاسية ذات مستوى لتغيير وجه لبنان وهذا ما نحن في حاجة إليه لا الترقيع”.