رأى كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات أن “أي خطة تعافي يجب أن تحافظ على حدّ أدنى من الرساميل المصرفية، كي تتمكّن المصارف من دعم برنامج النهوض العتيد”، واعتبر أن “خطة إعادة الهيكلة المالية ينبغي أن تترافق مع خطة استقرار اقتصادي ومالي من أجل تأمين الدعم المطلوب، على أن تتضمّن: إعادة هيكلة الدين العام لتحقيق خفض للدين في المدى القريب وتأمين استدامة الدين في المدى المتوسط والبعيد، إعادة هيكلة القطاع العام، وضع سياسة نقدية جديدة لإعادة بناء الثقة وتأمين استقرار سعر الصرف عند سعر موحّد، القيام بإصلاحات تحفّز على النمو وزيادة حجم الاقتصاد الوطني، ووضع برنامج الأمان الاجتماعي لتخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عن كاهل الأسَر اللبنانية بشكل عام”.
النمو وزيادة حجم الاقتصاد الوطني، ووضع برنامج الأمان الاجتماعي لتخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عن كاهل الأسَر اللبنانية بشكل عام”.
وقال بركات :بعدما خيّمت نفحة تفاؤلية عقب تأليف الحكومة الجديدة بعد 13 شهراً من المراوحة، إلا أن تطورات الشهرين الفائتين أطاحت بهذا التفاؤل وأعادت الوضع الى المربّع الأول، لاسيما في ظلّ: أولاً- الشرخ السياسي المحلي المتعلّق بتحقيقات المرفأ والذي أدّى الى تعطيل جلسات مجلس الوزراء لاكثر من شهر ونصف، ثانياً- الانحراف الأمني في الطيونة والذي أعاد الى أذهان اللبنانيين مظاهر الحرب الاهلية في لبنان، ثالثاً- الأزمة السياسية غير المسبوقة مع دول الخليج عقب تصاريح لوزير الاعلام اللبناني والتي اعتبرت ذات طابع مناهض لسياسات دول الخليج.
أضاف: من شأن هذه الأزمة المستجدّة مع الخليج أن تلقي بثقلها على المسار الإصلاحي وجهود النهوض للحكومة الجديدة نظراً إلى العلاقات التاريخية الراسخة للبنان مع دول مجلس التعاون الخليجي. الجدير ذكره أنّ الصادرات اللبنانية إلى بلدان الخليج تقدّر بنحو مليار دولار (حوالي % 30من مجموع الصادرات اللبنانية) بينما تقدّر تحويلات العاملين السنوية من هذه البلدان بنحو 3 مليارات دولار (حوالي نصف مجموع تحويلات العاملين اللبنانيين)والتي تصدر عن جالية تعدادها 380 ألف لبناني في بلدان الخليج، وفيما لا يقلّ عدد الزائرين القادمين سنوياً من بلدان الخليج إلى لبنان عن 200 ألف سائح.
“وعلى أمل التوصّل إلى حلّ لهذه الأزمة الديبلوماسية، مما لا شكّ فيه أنها ستعمّق الانكماش الاقتصادي اللبناني والذي بلغ 11% بالقيم الفعلية في العام 2021 بعد تسجيل انكماش بنسبة 25% في العام 2020” على حدّ تعبيره، مذكّراً بأن “صندوق النقد الدولي لم يكشف عن توقعاته الاقتصادية والمالية للبنان في تقريره حول “الآفاق الاقتصادية العالمية” الصادر في منتصف تشرين الأول2021 ، عازياً ذلك إلى ضبابية المشهد الداخلي… إنّ لبنان وسوريا وأفغانستان هي البلدان الوحيدة التي حجبت عنها التوقعات من أصل 196 بلداً يغطيها صندوق النقد الدولي حول العالم”.
المخرج باتفاق مع صندوق النقد..
ولفت بركات إلى أنّ “المخرج الوحيد في الأفق للعودة الى مسار النمو الإيجابي، هو التوصّل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في فترة قصيرة تستبق الانتخابات النيابية. علماً أنّ مهمة التفاوض مع الصندوق لن تكون سهلة بل شاقة في ظلّ الاختلالات اللافتة التي يعرفها الاقتصاد اللبناني اليوم لاسيما بشقّه المالي والنقدي والخارجي. كما ان لصندوق النقد عدداً من الشروط التي تؤمّن تغيّراً ملموساً في السياسات المعتمدة وكذلك في المسار الاقتصادي الكليّ. إلا أن موضوع إبرام اتفاق متكامل مع صندوق النقد يُعَدّ حدثاً تاريخياً”. وتابع: من هنا، أهمية التوصّل الى أرضية مشتركة مع الصندوق. ان التوصّل الى برنامج مع الصندوق يؤمّن انخراط الصندوق في مراقبة تطبيق الإصلاحات الهيكلية والمالية وتنفيذها على خير وجه علماً ان لبنان لم يقم بتنفيذ التزاماته الدولية السابقة. بالتالي فإن دور المراقب للصندوق قد يعطي حافزاً للدول المانحة والمؤسسات المانحة نظراً الى التأثير الذي يتمتع به الصندوق على هذه الجهات، ما يساعد في الحصول على الدعم الدولي المرجو بشكل عام.
واعتبر أن “أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي ينبغي أن يتوصل إلى توزيع عادل للخسائر بين مختلف العملاء الاقتصاديين. إن الدولة، والتي تتحمّل بشكل أساسي مسؤولية الأزمة الراهنة، ينبغي أن تأخذ على عاتقها جزءاً ملحوظاً من الخسائر. كذلك، ينبغي على القطاع المصرفي أن يحمل حصته من الخسائر، إلا أن أي خطة تعافي يجب أن تبقي على حدّ أدنى من الأموال الخاصة للمصارف. إذ تعتبر المحافظة على الحدّ الأدنى للأموال الخاصة أمراً محورياً ليمكّن القطاع من دعم برنامج النهوض بالبلاد والذي يجب أن يعتمد على إطار ماكرو- اقتصادي راسخ، وقطاع مصرفي سليم، وعامل ثقة ملائم يجب العمل على استعادته مع الوقت”.
… لإعادة رسملة المصارف
وختم: من هنا، تبرز الحاجة إلى إعادة رسملة القطاع المصرفي وتقليص حجمه ليتماشى مع حجم الاقتصاد (نسبة الأصول إلى الناتج يجب ألّا تتعدى 150% بما يتماشى مع البلدان ذات الاقتصادات المشابهة للبنان)، ما يكسب القطاع مجدداً مصداقية يُبنى على أساسها في الفترة المقبلة. كما أنّ خطة إعادة الهيكلة المالية ينبغي أن تترافق مع خطة استقرار اقتصادي ومالي من أجل تأمين الدعم المطلوب، على أن تتضمّن: إعادة هيكلة الدين العام لتحقيق خفض للدين في المدى القريب وتأمين استدامة الدين في المدى المتوسط والبعيد، إعادة هيكلة القطاع العام، وضع سياسة نقدية جديدة لإعادة بناء الثقة وتأمين استقرار سعر الصرف عند سعر موحّد، القيام بإصلاحات تحفّز على النمو وزيادة حجم الاقتصاد الوطني، ووضع برنامج الأمان الاجتماعي لتخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عن كاهل الأسَر اللبنانية بشكل عام.
الديار