لم يرحم مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر، الطبقة السياسية التي لا ترحم شعبَها. فبعد جولة قام بها في لبنان استمرت اياما، أصدر تقريرا قرّع لها ولأدائها، بعنف. فقال: ما قامت به السلطات اللبنانية من تدمير للعملة الوطنية، وإدخال البلد في مأزق سياسي، وتعميق أوجه عدم المساواة التي طال أمدها، قد أغرق لبنان في فقر مدقع”، مضيفا “لبنان ليس دولة منهارة بعد، لكنه على شفير الانهيار، وحكومته تخذل شعبها. لقد كان ذات يوم منارة تسترشد بها المنطقة: مستويات عالية في التنمية البشرية وقدرات كبيرة”. وتابع “أدى تدمير الليرة اللبنانية إلى تخريب حياة الناس وإفقار الملايين. وتسبب تقاعس الحكومة عن مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة بحالة بؤس شديد لدى السكان، ولا سيما الأطفال والنساء وعديمي الجنسية والأفراد الذين لا يحملون وثائق، والأشخاص ذوي الإعاقة الذين كانوا مهمشين أصلا”، مستطردا “الأزمة المصنعة” تدمر حياة السكان، وتحكم على الكثيرين بفقر سيتوارثه الناس جيلا بعد جيل”. وأشار المسؤول الاممي الى ان “في حين يحاول السكان البقاء على قيد الحياة يوما بعد يوم، تضيع الحكومة وقتا ثمينا في التهرب من المساءلة وتجعل من اللاجئين كبش فداء لبقائها”. وأردف “مقلق كيف أن القيادة السياسية تبدو غير راغبة في تبيان العلاقة بين الإصلاح الضريبي وتخفيف حدة الفقر، وتقلل من شأن ما يمكن أن تحققه أنظمة الحماية الاجتماعية من فوائد في إعادة بناء الاقتصاد، ولا سيما في أوقات الأزمات. وللأسف، ما من خطة موثوقة لتخفيف حدة الفقر أعلمتني بها الحكومة إلا وتعتمد على المانحين الدوليين والمنظمات غير الحكومية”.
تشكّل هذه الكلمات ادانة واضحة وصريحة لاداء المنظومة الحاكمة، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، وتدل على حجم دورها في ايصال اللبنانيين، شعبا ووطنا، الى هذا الدرك من الانهيار والتردي، بفعل سياسات وقرارات خاطئة وبفعل تهرّبها من المسؤولية ورميها دائما “على الآخرين”.
وفق المصادر، لم يكن النزوح السوري وحده قادرا على ضرب الاقتصاد وجره الى الحضيض الذي يقبع فيه اليوم، ولا انفجار المرفأ، ولا فيروس كورونا… فهذه النتيجة اوصلتنا اليه كل هذه العوامل، معطوفة عليها سنوات من نهب المال العام ومن الصفقات والسمسرات التي عقدها مَن توالوا على ادارة البلاد، وقد تعاونوا في ما بينهم لـ”حلب” الدولة وخزانتها، مفضّلين الخيارات الاكثر ربحا لهم ولشركاتهم وازلامهم، على تلك المستدامة والثابتة والمنتجة والمربحة. وقد أتت العقوبات التي باشر المجتمع الدولي منذ اشهر، بفرضها على الضالعين في الفساد، لتعرّي هذا السلوك الكارثي. كما ان هؤلاء لم يحرّكوا ساكنا لا لضبط الحدود ولا لمكافحة التهريب، فاستحقوا عن جدارة لقب “المافيا” التي حظيت بغطاء ودعم من “ميليشيا” حمتها ولا تزال تحميها. وقد تسبب هذا “الثنائي” بسلخ لبنان عن حضنه ومحيطه العربي، بعد ان جرّه الى المحور الايراني، في قرار خاطئ “سياديّ” الطابع، كان له ايضا الوقع الاقوى على الاقتصاد اللبناني
وفق المصادر، ثمة فرصة اليوم للخروج من الحفرة، تتمثل في الانتخابات النيابية المقررة مبدئيا في آذار المقبل. لكن ادراك تحالف “المافيا والسلاح غير الشرعي” ان هذا الاستحقاق سيشكّل سلاحا في يد اللبنانيين للانتقام ممّن أغرقهم في الفقر المدقع، قد يدفعه الى تطيير الانتخابات، والادوات لهذه الاطاحة، كثيرة…