أزمة العدلية على “غاربها”، والغارب لمن لا يعرف معنى الكلمة هو الحبل المتروك على هواه، كما هي حال العدليات التي باتت بحاجة ملحّة الى وضع قواعد ربط اشتباك بين مكوناتها الأساسية الثلاث: القضاة، المحامون، والمساعدون القضائيون.
آخر فصول النزاع الذي لم يتظهر بشكل واضح الى العلن بعد هو الجدل القائم بين المحامين والمساعدين القضائيين على خلفية قيام هؤلاء بتنفيذ إعتكاف عن العمل ” تماشياً مع قرار رابطة موظفي القطاع العام الداعي الى الإضراب العام في كل الإدارات العامة نظراً لما يعيشه موظفو هذا القطاع من كوارث إقتصادية وصحية مزرية” على ما ورد في أحد بيانات اللجنة الناطقة بإسم المساعدين.
مردّ الإشتباك الخفي، وهو لا يزال مستتراً أقله حتى الآن، هو تقاطر المحامين الى العدليات لمتابعة الملفات المتعلقة بالمتقاضين أو جلسات الموقوفين، بعد إضراب أعلنته نقابتهم في ٢٧ أيار واستمر لغاية ٢٣ أيلول ما أعتُبر الإضراب الأطول في تاريخ النقابة.
على هذا الإضراب، أطلق المعنيون حينها تسمية “إشتباك جناحي العدالة” أي القضاة والمحامين وقد أندلع مع شرارة ” كسر القضاة لمبدأ الندّية في التعامل مع المحامين وعدم إحترام عملهم” على ما أعلن نقيبهم ملحم خلف الذي خاطب الهيئات القضائية على تنوعها بعبارة ” طفح الكيل”.
بعد انتهاء العطلة القضائية وتعليق الإضراب، عاد المحامون ب”الروب الأسود” الى أروقة العدلية حاملين معهم ملفات ووكالات مؤتمنين عليها إلا أن عودتهم ما لبثت أن إصطدمت بالإعتكاف الذي أعلنه المساعدون القضائيون إحتجاجاً على الظروف المعيشية المزرية التي يتشاركون تفاصيلها مع سائر اللبنانيين، والصعوبات المتصلة بالنقل والإنتقال الى مراكز عملهم، وبهزالة رواتبهم التي تكاد لا تكفي لتأمين وصولهم الى مكاتبهم.
ومع قرار المساعدين القضائيين عدم قبول أي مراجعة قضائية أو عقد جلسات سوى في الحالات الطارئة فقط وجلسات الموقوفين والمهل القانونية، بدأ الخلل يتكشف في العلاقة العملانية بين الطرفين “وطلعت الصرخة” من الجانبين.
وللإضاءة على الدور المحوري الذي يضطلع به المساعد القضائي، نشير الى أن هذه الفئة من موظفي القطاع العام تشمل رؤساء الأقلام ورؤساء الكتبة والكتبة والمباشرين والمستكتبين في أقلام الدوائر القضائية.
كل هؤلاء يتولّون الأعمال القلمية المنصوص عنها في القانون، الى الأعمال التي يتطلبها سير العمل في الدوائر القضائية وفي الإدارة المركزية في وزارة العدل.
اذا أردنا إضفاء صفتي الإنصاف والعدل على تقييم ما يحدث بين المحامين والمساعدين القضائيين راهناً، يمكننا القول إن الطرفين على حق كل من موقعه، أما مَن يتحمّل مسؤولية ما وصلت اليه العدلية من تخبّط غير مسبوق وظواهر غير معهودة فهو من “يقلّب” البلد برمته على صفيح التعطيل ببرودة أعصاب مشهودة.
lebanon24