في كل مرّة يطّل فيها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على اللبنانيين بخطاب أتمنى لو أنه يطّل عبر برنامج حواري ليتسنى للذين يحاورونه من الإعلاميين، غير المنتقين وفق مواصفات معينة، مناقشته في كل النقاط التي يطرحها، والتي تثير الجدل
.
فقد خصص في إطلالته أمس الأول بمناسبة “يوم الشهيد” جزءًا أساسيًا من خطابه للتحدث عن الأزمة اللبنانية ـ السعودية، أو ما سمّاها “إفتعال السعودية أزمة مع لبنان”، وتحديدًا مشكلة السعودية مع “حزب الله”. وفي هذه النقطة يمكن الدخول مع سماحته في جدال طويل وعريض، خصوصًا أن في قوله هذا، وفق نظرة الكثيرين من اللبنانيين، الكثير من المغالطات، خصوصًا أن السعودية لم تعتدِ يومًا على لبنان ولم تهاجم أحدًا من اللبنانيين أو المسؤولين اللبنانيين كما يفعل “حزب الله” عندما يهاجم “الأسرة الحاكمة” وآلـ سعود”. صحيح أنها على غير توافق مع سياسة “حزب الله” في لبنان والمنطقة، وكانت ضد تدّخله في الحرب السورية، التي بدأت بحجة حماية الأماكن المقدسة، وبالأخصّ في تدّخله في حرب اليمن، ولكنها كانت تميّز دائمًا بين الحزب وسائر اللبنانيين، إلى أن زادت الأمور عن حدّها عندما أصبحت الأراضي السعودية هدفًا بحدّ ذاته لتصدير “الكبتاغون” عبر الأراضي اللبنانية.
فبعد “زلة” لسان الوزير شربل وهبة جاء تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي ليصبّ الزيت على النار. وما زاد الطين بلّة أن السيد نصرالله، وقبل إطلالته أمس الأول، رفض المطالبة بإقالة قرداحي الذي “تحدث عن حرب اليمن حديثا هادئًا وموضوعيًا، ولم يهاجم أحدًا. وجاءت ردة فعل السعودية عليه مبالغة جدا جدا. ولأنه سبق للبنان أن أقدم على إقالة وزير الخارجية شربل وهبة رضوخًا لإملاءات السعودية، وهذا خطأ، من دون أن تقابل السعودية لبنان بأي إيجابية، لا بل تشجعت على طلب المزيد”.
وبذلك لا تكون السعودية هي من إفتعلت أزمة مع لبنان، وقد يكون العكس صحيحًا، مع إضافة بعض الإيضاحات للقول أن بعض اللبنانيين هم الذين إفتعلوا أزمة مع السعودية “نزولًا عند رغبة إقليمية ما”. وقد يكون في ذلك بعض من ردّ على الحديث عن “الرضوخ للإملاءات الخارجية”.
وقد يكون تساؤله “من قال إن المصلحة الوطنية تكمن في الخضوع للمطالب الخارجية، وهل الإستقالة أو الإقالة تعكس دولة ذات سيادة وذات كرامة، أو هل تحل المسألة مع السعودية”، مردودًا في الشكل والمضمون، لأن إفتعال أزمة مع دولة، أيًّا تكن هذه الدولة، ليس من مصلحة لبنان ولا من مصلحة شريحة واسعة من اللبنانيين الذين تربطهم بهذه الدولة أو تلك مصالح وصداقات وعلاقات ممتازة ومميزة.
أمّا ردّ نصرالله على إتهام “حزب الله” بهيمنته على الحكم والدولة في لبنان فجاء خاليًا من الحجج المقنعة ولم ينجح في إجتهاده إثبات عدم وجود هيمنة للحزب، مع أنه طرف مؤثر وقوي وأكبر حزب في لبنان، “فما هذا الحزب المهيمن الذي لا يستطيع أن يغيّر قاضيًا أو أن ينزل المازوت الإيراني في المرافئ اللبنانية”؟
ويردّ الذين يتهمون “حزب الله” بـ “أنه يأخذ لبنان رهينة” بكثير من الوقائع، التي يرون فيها ملامح لا تتوافق مع سيادة لبنان، أقله في ما يتعلق بحصرية قرار الحرب والسلم، وإمتلاك سلاح لا يمكله حتى الجيش اللبناني المفترض به، نظريًا، أن يكون المسؤول الوحيد عن حماية اللبنانيين في الداخل وعلى الحدود.
فلو كان غير صحيح ما يُتهم به “حزب الله” لكان من المفترض أن يعاود مجلس الوزراء جلساته اليوم قبل الغد، وأن يُترك القضاء يقوم بعمله من دون أن يتعرّض للتهديد والوعيد.
ما يهمّ اللبنانيين من كل هذا وذاك أن تكون علاقاتهم جيدة مع الجميع، وبالأخص مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ومع غيرها من الدول التي تربطها بلبنان علاقة ودّ ومصالح مشتركة. أمّا كل كلام آخر فهو خارج سياق ما يعانيه اللبنانيون في يومياتهم، وهم يشعرون بأنهم قد اصبحوا غرباء في وطنهم.
المصدر: لبنان 24