على الرغم من تدنّي قيمة العملة الوطنية وارتفاع أسعار مختلف أنواع السلع، لا تزال الدوائر الجمركية تعتمد السعر الرسمي للصرف المعمول به منذ التسعينيات حتى اليوم، أي الـ1508 ليرات للدولار. ويتخوّف المسؤولون من تعديله في محاولة لامتصاص النقمة وانتظار الخطة الشاملة للإنقاذ، وذلك على الرغم من الاقتراحات التي كان قد تقدّم بها مدير الواردات في وزارة المال لؤي الحاج لاحتساب الدولار الجمركي على سعر الصرف في السوق الموازية.
ويأتي اقتراح مدير الواردات على خلفية تعدّد أسعار الصرف في السوق، وضرورة إيجاد سعر صرف جديد يحاكي الواقع الفعلي لسعر تلك العملات، إضافة الى التعويض عن الخسائر التي مُنيت بها الخزينة العامّة نتيجة النقص الهائل في مواردها.
وكان وزير المال السابق غازي وزني، قد بدأ التحضير لهذا المشروع والإعلان عنه، ولكن تشكيل الحكومة الجديدة رحّله إلى الوزير يوسف الخليل. وزني كان يدرس تعديل سعر الدولار المستخدم في تسديد التعرفة الجمركية إلى ما بين 3900 ليرة لكل دولار و8 آلاف ليرة. أمّا حالياً ومع #ارتفاع سعر الصرف الى أكثر من 20 ألف ليرة، فإنه بحسب المعلومات سيعتمد السعر ما بين 10 و12 ألف ليرة.
وفيما يجمع الخبراء على أن زيادة الدولار الجمركي ستزيد الأسعار الاستهلاكية زيادة كبيرة ومضاعفة، تؤكد مصادر وزارة المال أن الموادّ الأساسية لن تتأثر بزيادة الدولار الجمركي، على اعتبار أن الرسوم الجمركية عليها تراوح ما بين صفر و5%، بما يعني أن تعديل “الدولار الجمركي” سيلحظ زيادات بأقل من نصف في المئة على السلع والمواد الغذائية.
أما أوساط التجار، فتجزم بأن تعديل سعر الدولار الجمركي في هذه الظروف، سينعكس سلباً على عمل التجّار الذي سيتراجع ويتقلّص، وكذلك الحال بالنسبة للقطاع الصناعي خصوصاً إن لم تُستثنَ المواد الأولية الضرورية للصناعة، فيما يجزم البعض الآخر بأن عمليات التهريب ستنشط مع ارتفاع الأسعار، وتالياً سيحلّ التجّار المهرّبون محلّ التجّار الشرعيين.
من هنا يطالب الخبير في الشؤون المالية والضريبية جمال القعقور وزارة المال “بالتوقّف عن الإجراءات العشوائية التي لن تؤدّي إلى زيادة دخل الخزينة”. ويؤكد لـ”النهار” أن زيادة سعر الدولار الجمركي في هذه الظروف الاقتصاديّة الصعبة ستنعكس سلباً على المستورد والمستهلك، لأنّ أيّ زيادة في أسعار السلع والمواد ستؤدّي إلى انكماش في السوق بسبب حال عدم التوازن الحالية بين العرض والطلب الناتج عن #غلاء الأسعار لأغلب السلع والمواد المرتبطة بسعر السوق للدولار، وأيضاً بسبب تدهور قيمة الدخل للموظّف وانعدام القوّة الشرائيّة.
إضافة إلى ذلك، يجزم القعقور بأن التاجر / المستورد سيتأثر سلباً نتيجة هذا الإجراء وخصوصاً المستورد غير القادر على توفير السيولة لدفع الرسم الجمركي الذي سيزيد بنسبة 158.62% إذا اعتُمد سعر الدولار الجمركي 3900 ليرة للدولار، إضافة إلى زيادة قيمة الضريبة المضافة بالنسبة عينها وهذا يتطلّب مزيداً من السيولة غير المتوفّرة في السوق حالياً.
ومن السلبيّات التي يشير إليها أيضاً القعقور “تراجع قيمة الواردات الجمركيّة نتيجة الأسباب التي أشرنا إليها، وبالتالي فإنّ هدف زيادة دخل الخزينة لن يُحقِّق النتائج المُخطّط لها”.
ويرى أن “هذا الإجراء هو إجراء عشوائي ينتابه الكثير من الإجراءات المالية والضريبيّة والنقديّة التي مارستها الحكومات بدعم من المجلس النيابي والتي أدّت إلى خراب الوطن وضياع المواطن وانهيار الاقتصاد والنظام المصرفي”.
ما البديل إذن؟ القعقور يرى أن “الحل يكمن في خطّة ماليّة – اقتصاديّة – ضريبيّة ونقديّة شاملة تُعالج جميع المشاكل والأزمات الحاليّة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والهيئات الماليّة الدوليّة وحسب الشروط الضامنة التي يطلبها المجتمع الدولي”.
تراجعت الإيرادات الجمركيّة بسبب الأزمة النقدية وتراجع القوّة الشرائية للمواطن من نحو 19 مليار دولار عام 2019 إلى 11 مليار دولار عام 2020. القعقور الذي يستند إلى هذه الارقام ليؤكّد “صحّة التحليل الذي نتحدّث عنه وهو تراجع الإيرادات الجمركيّة بسبب هذا الإجراء”، يخلص الى القول إن هذا الحل (أي زيادة سعر الدولار الجمركي)، يشبه الحلول التي يطرحها الرئيس نجيب ميقاتي الذي ركز على عناوين إصلاحية تشبه لوحة القيادة، من دون أن يلتفت إلى حالة السيارة التي يقودها والتي أصابها الاهتراء وتالياً تسقط جميع الأهداف المحددة.