كتبت راكيل عتيِّق في ” الجمهورية”:
لا يقف الفرنسيون ولا الأميركيون ولا حتى العرب متفرِّجين على الازمة المستجدة بين لبنان والسعودية ومعها بعض دول الخليج. الاتصالات تجري في الكواليس لتليين الموقف السعودي تجاه لبنان، من دون أن تسفر عن أي نتائج إيجابية حتى الآن. ما بات مؤكداً، بعد عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من غلاسكو الأسبوع المنصرم وبعد زيارة موفد الجامعة العربية نائب الأمين العام السفير حسام زكي أمس الأول للبنان، أنّ استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي هي باب الولوج الى وساطة تُفضي الى حلٍّ ما، أو تحديداً هي مفتاح نزع فتيل الأزمة. هذا الأمر يرفضه «حزب الله» حتى الآن، بل يرفع السقف تصعيدياً بوجه السعودية بدلاً من امتصاص غضبها، ويطالبها بالتراجع لا بل بالاعتذار. فكيف سيتعامل ميقاتي مع تصلُّب «حزب الله» وتصعيده؟
على رغم تصعيد «حزب الله» بما يُفرمل استقالة قرداحي أو إقالته، وبالتالي يمنع أي بادرة «حسن نية» من لبنان تجاه السعودية، إضافةً الى فرملة «الثنائي الشيعي» انعقاد مجلس الوزراء الى حين اجتراح حلّ لكف يد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار أو تغيير مجرى رياح التحقيق بما تشتهيه سفن «الثنائي»، وعلى رغم اتخاذ «حزب الله» منحى تصاعدياً في كلا الملفين، ليس مطروحاً في هذه اللحظة السياسية على طاولة ميقاتي، لا الاستقالة ولا الاعتكاف. إزدحام نشاطاته ومواعيده في السرايا الحكومية ولقاءاته بالوزراء، دليل عملي الى أنّه مواظب على العمل وعلى متابعة عمل الوزراء، حتى لو فُرادى.
ولحلّ المشكلة مع السعودية، ما زال ميقاتي متمسكاً بالمبادرة التي طرحها والتي تقضي باستقالة قرداحي، وذلك ليس من عبث، بل من شبكة اتصالات توحي له أنّ هذه الخطوة بداية لخرق جدار الأزمة مع السعودية. وإذ أكد ميقاتي أنّه مستمرّ في العمل الحكومي على قدر المستطاع، فهو يعتبر أنّ انعقاد مجلس الوزراء أو حلّ الأزمة مع السعودية، ليسا من مسؤوليته وحده. وهو حدّد طريقة نزع الفتيل من خلال خطوة محددة وهي استقالة قرداحي، وهو كرئيسٍ للحكومة يقوم بما يجب أن يقوم به، ويعتبر أن على الأفرقاء الآخرين تحمُّل مسؤولياتهم أيضاً، فهناك مجموعة من المسؤولين عليهم أن يكونوا في هذا الأمر متكافلين ومتضامنين. وبالموازاة، ينتظر ميقاتي نتائج مساعي العاملين على خط بيروت – الرياض، من زكي الذي زار لبنان واستمزجَ الآراء ورصد المواقف وجمعها ومن المفترض إذا كان سيستكمل مبادرة الجامعة بخطوة أخرى أن تكون في اتجاه الخليج، الى زيارة وزير خارجية قطر للبنان المرتقبة الأسبوع المقبل، وما بين الزيارتين، هناك من يسعى أيضاً من الداخل والخارج الى رأب الصدع مع السعودية.
وعلى رغم الخلافات مع «حزب الله» في هذه الملفات الحيوية التي تعطّل عمل المؤسسات وتعكّر علاقات لبنان العربية، لن يدخل ميقاتي في مواجهة مع «الحزب»، بل يسعى الى خفض منسوب التوتر الداخلي، وبالنسبة إليه هذا أفضل من أي عنوان آخر لن يفيد لبنان في هذه المرحلة. وبالتالي إنّ عناوين الاشتباك ليست مطروحة لدى رئيس الحكومة، والعنوان الأساس الذي يحمله معيشي مرتبط بالقضايا الاجتماعية والأمن والاستقرار، ولن يطرح أي عنوان اشتباك لا داخلي ولا خارجي ويحرص على أن يكون هناك توازن بين الأمرين، وهو مع التهدئة وضدّ التصعيد في أي من الملفات.
لكن هذا لا يعني رضوخ ميقاتي لرغبات «الحزب»، وكان قد وَجّه جملة رسائل واضحة لـ»الحزب» الأسبوع الماضي، خلال إعلانه خريطة الطريق لإنجاح العمل الحكومي، ومن بينها، أنّه «مخطئ مَنْ يعتقد أنّه قادر على فرض رأيه بقوة التعطيل والتصعيد الكلامي… ومخطئ ايضاً من يعتقد أنّه يمكنه أخذ اللبنانيين الى خيارات بعيدة من تاريخهم وعمقهم العربي وعلاقاتهم الوطيدة مع الدول العربية ودول الخليج خصوصاً، والسعودية تحديداً». كذلك شدّد ميقاتي على أنّ «مجلس الوزراء هو المكان الطبيعي لمناقشة كلّ الملفات والقضايا التي تعني الحكومة بعيداً من الاملاءات والتحديات والصوت المرتفع واستخدام لغة الوعيد والتهديد. ولن يكون مجلس الوزراء أبداً مكاناً للتدخل في أي شأن لا يخصّ الحكومة، وتحديداً في عمل القضاء». إلّا أنّ «الثنائي الشيعي» ما زال حتى الآن يربط عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد بقضية البيطار. في هذا الإطار، يبدو ميقاتي وكأنّه «ما في يده حيلة»، وهو يعوّل على أن يكون هناك اقتناع لدى الجميع بأنّ القضاء سلطة مستقلة، وبالتالي يجب فَصل هذا الملف عن اجتماع مجلس الوزراء.
وعلى رغم كلّ القنابل السياسية التفجيرية هذه، لن يستسلم ميقاتي ويخرج من السرايا الحكومية، بحسب قريبين منه، لأنّ الفراغ يعني دخول لبنان في منزلق خطير جداً، فالآن على الأقل هناك قرار من سلطة تنفيذية قائمة، حتى لو أنّها لا تجتمع، فالوزراء يعملون ويأخذون قرارات ويحضّرون الملفات التي تستوجب قراراً من مجلس الوزراء لتكون جاهزة لحظة السماح له بالالتئام. أمّا تحوُّل الحكومة الى تصريف الأعمال فيُسقط القرار التنفيذي، وأقلّ تداعياته ستكون مزيداً من انهيار الليرة مقابل الدولار، فرملة أي حلّ للكهرباء ووقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، عدا عن الموضوع الأمني الذي سيصبح «مجهولاً تماماً».
كذلك يتمسّك ميقاتي بموقعه مدعوماً من الخارج، وتحديداً من الفرنسيين والأميركيين، ولقد سمع تأكيداً من الجانبين لوجوب الحفاظ على الحكومة لأنّها تشكّل عامل استقرار إضافةً الى مساعدة لبنان للخروج من الأزمة القائمة. وفي حين لم تفلح اتصالات سابقة من باريس وواشنطن مع الرياض، منذ ما قبل الأزمة الأخيرة، لكسر نأيها بنفسها عن لبنان، ولم تنفع حتى الآن بعد أي اتصالات مع السعودية بما يتعلّق بالأزمة الأخيرة، فإنه يجب، بحسب قريبين من ميقاتي، أن نأخذ «القصة بذقننا» ونتعامل معها بحكمة، لأنّ هناك مجموعة تراكمات بين لبنان والسعودية، في صلبها «حزب الله»، وهذا أمر يعلمه ميقاتي جيداً، ولذلك يريد التخفيف من وطأة النزاع، والطريق مجدداً: استقالة قرداحي أو إقالته.