في الوقت الذي تسابق فيه جهود التهدئة على جبهة الأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج، الإجراءات “الموجِعة” التي تصدر تباعاً عن هذه الدول، يبقى المشهد الحكومي معلّقاً على الخيارات التي سوف يلجأ إليها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لإعادة الروح إلى حكومة “إلى العمل”، خصوصاً وأن المرحلة تتطلّب حكومة فاعلة واجتماعات متواصلة من أجل استكمال خطط الإنقاذ الضرورية لنقل لبنان من ضفة إلى أخرى، وذلك بعدما تحوّلت الأزمات إلى جزء لا يتجزّأ من يوميات اللبنانيين منذ العام 2019 إلى اليوم، حيث خرجت المسألة من حدود المعالجات المحلية للنهوض بخطة إنقاذية، إلى تدخّلات ووساطات خارجية لإبقاء لبنان في إطار العلاقات الطبيعية مع محيطه العربي، وبشكل خاص الخليجي.
وفي ظل هذه الصورة التي ترسمها مصادر مواكبة عن قرب لحركة الإتصالات الجارية على الخط الحكومي، فإن الإتجاه السائد هو نحو التسوية، ولو في الحدّ الأدنى من التوافق بين المكوّنات الحكومية، بحيث يصار إلى عقد اجتماع للحكومة يشكّل مدخلاً للنقاش في الأزمة المستجدّة مع دول الخليج، على أن يتحدّد الإتجاه النهائي وفق ما تمليه المصلحة اللبنانية، أي مصلحة الدولة واللبنانيين، وبالتالي، وضع حدّ فاصل ما بين المرحلة السابقة والمرحلة المقبلة، وبهدف السعي إلى عدم تطوّر الأزمة اللبنانية ـ السعودية، والتي استولدت أزمة لبنانية ـ خليجية، إلى واقع يعود من الصعب العودة عنه أو معالجته. وبالتالي، هناك خشية، كما تضيف المصادر، من أن تتحوّل الأزمة الحالية إلى نوع من الأزمة الميثاقية بين المكوّنات الحكومية، فيما لو استمرّ الإنقسام العامودي داخل صفوف الحكومة الميقاتية.
وفي هذا الإطار، فإن المصلحة، وكما تؤكد المصادر نفسها، تستدعي اليوم مقاربة جديدة للمعالجات المطروحة، بعدما خرجت المسألة من حدود استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، إلى مواجهة بين خطين سياسيين، الأول يعتبر أن الأزمة الراهنة، هي نتيجة مسار كامل من التراجع في العلاقات، فيما الثاني، يرى أن العودة إلى ما قبل تصريح وزير الإعلام لا تزال ممكنة، وتستطيع إعادة إطلاق العلاقات مع الرياض، كما مع سائر دول الخليج العربي.
وتتوقّع المصادر المواكبة نفسها، أن تثمر التحرّكات والإتصالات التي تجري على أكثر من صعيد، وبعيداً عن الإعلام، معطيات جديدة تؤدي إلى تحوّل بارز في مسار الأزمة السياسية المحلية، والتي تتمثّل اليوم بتأمين الظروف الملائمة لانعقاد مجلس الوزراء، وذلك بعدما باتت قضية الإستقالة مجرّد مفتاح للعبور إلى الحلّ، ولم تعد هي الحلّ بنفسه. وبرأي هذه المصادر، فإن الأضرار الناجمة عن استقالة الوزير قرداحي، فيما لو حصلت، سوف تكون أقلّ بكثير من الأضرار التي سوف تنجم عن بقاء الحكومة غائبة ومتوقّفة عن العمل، ومعطّلة، وربما مستقيلة بحكم الأمر الواقع.
وفي المحصّلة، تعتبر المصادر ذاتها، أنه طالما لم يتطرّق رئيس الحكومة إلى مسألة الإستقالة، فإن ذلك، يعني أن الفرصة ما زالت متاحة للسير بمسعى الحلّ لتسوية الخلافات من خلال التفاهمات السياسية الداخلية، وبالتالي، تمرير هذه العاصفة وتجاوز كل ذيولها وتداعياتها السلبية على البلد من خلال تسوية يتم التوافق عليها في مجلس الوزراء.