يبدو جلياً أن الأزمة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، لن تحل بكبسة زر وستأخذ حيزاً من المعالجات والجهود السياسية والديبلوماسية داخلياً وخارجياً، نظراً الى جملة تداخلات واعتبارات وحيث لا حول ولا قوة للبنان للخروج منها في ظل فائض القوة القابض على الدولة بكل مؤسساتها ومرافقها، بعدما حوّله منصة لحربه مع الخليج من بيروت.
وفي السياق، تنقل مصادر سياسية عليمة لـ “النهار”، أن أمام لبنان محطات صعبة وقاسية، وهذا ما استقته من خلال لقاءات مع سفراء غربيين معتمدين في لبنان وما قيل نهاية الأسبوع في مجالس بعض المرجعيات السياسية. وبمعنى أوضح ان الإساءات الموجهة الى الخليج مستمرة، وما قيل في بعض الاعلام المرئي من اتهام السعودية بتصديرها الإرهاب وسوى ذلك من إهانات، أغضب كبار المسؤولين في المملكة ومتابعين في لبنان بينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أبدى استياءه العارم مما نُقل إليه. فميقاتي يعلم أن ذلك من شأنه أن يزيد الطين بلة ويدرك أن هناك أمر عمليات لنسف ما تبقّى من جسور مع الرياض، إضافة إلى حملات يومية من قِبل بعض الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب المحسوب على “حزب الله” وحلفائه، وعلى هذه الخلفية فإن رئيس الحكومة يستعجل إتخاذ الموقف الحاسم ويتواصل مع الجميع في الداخل والخارج قبل خراب البصرة. ولكن ثمة أجواء ومعلومات مفادها أن الفرنسيين وعلى رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون، قد دخلوا في أجواء الاستحقاق الرئاسي الفرنسي، ومن الطبيعي أن اهتمامهم سينصب على انتخاباتهم وسيتقلص دورهم في لبنان على نحو لافت، إلى معطيات بأن اهتمام ماكرون شخصياً سيتركز على جائحة كورونا، وفي هذا الصدد ستكون له كلمة خلال الأيام المقبلة بمثابة رسالة الى الفرنسيين، والأمر عينه سينسحب على الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وبريطانيا وروسيا التي تعاني من كوارث جائحة كورونا، ومعظم السفراء المعتمدين في لبنان يؤكدون أن أولويات هذه الدول ستتركز بشكل حصري على مواطنيها عبر اتخاذ الإجراءات اللازمة.
وتضيف المصادر أن رئيس الحكومة قد يكون توصل إلى اقتناع بأن لقاءات غلاسكو لا تُحل المشكلة مع السعودية، فهو يعلم ماذا تريد المملكة التي قالت كلمتها منذ فترة طويلة، وبمعنى أوضح، “طالما ان دويلة “حزب الله” تسيطر على لبنان فنحن سنكون خارجه، وعندما تعود الدولة دولة لن نتخلى عن هذا البلد”، إلى مطالب أخرى في حوزة كبار المسؤولين اللبنانيين وقد أهملوها أو ثمة من يدير البلد غيرهم، وهذا الأمر واضح، وبالتالي فان من اجتمع بهم رئيس الحكومة خلال قمة المناخ لن يدفعوا الرياض إلى التراجع، ولا ننسى أن التسوية الفرنسية -الإيرانية هي التي أنتجت الحكومة الحالية، وعليه فالمملكة لن تبدل موقفها إذ اعتبرت ان “حزب الله” هو من كان خلفها كما كانت الحال في الحكومات السابقة واستمرت على لاءاتها تجاه لبنان. وفي غضون ذلك فإن بعض المرجعيات السياسية تمنت على ميقاتي “ألا يقدِم على الاستقالة، باعتبار انه يدرك الفوضى العارمة في البلد وصعوبة تشكيل حكومة جديدة في حال إقدامه على خطوة كهذه”. كما قالت لرئيس الحكومة “لا تستقل، بل اعتكف ودع جورج قرداحي يستقيل ومارس كل ما لديك من ضغوط واتصالات وتدوير زوايا”، سائلةً: هل يتحمل رئيس الجمهورية إنتهاء ولايته في ظل حكومة مستقيلة أو لا حكومة في ما تبقى من ولايته، وهل سيضيف الى عهده خسائر إضافية؟ وتوازياً السؤال: هل ستتوقف الحملات على السعودية من الذين يخوضون بالإنابة عن إيران حرباً على المملكة من لبنان؟ هذا الكلام قالته هذه المرجعية حرفياً معبرةً عن قلقها الشديد من أكثر من 7 أيار في البلد، فالأمن غير ممسوك وثمة من يسعى إلى تطفيش السفراء وكل ما يمت الى الخليج بصلة عبر نسخة طبق الأصل عما حدث في الثمانينات من إفراغ البلد من الديبلوماسيين الأجانب وبعض العرب وشركات الطيران العربية والعالمية ووكالات إعلامية معروفة.
وأخيراً، يتبدى أن لبنان من خلال المعطيات المتوافرة وما يقال في الصالونات السياسية، قد دخل في الوقت الضائع القاتل في السياسة والأمن والاقتصاد، إلى حين نضج تسوية تكون على حجم ما يعانيه هذا البلد من أزمات مستفحلة هي الأخطر في تاريخه المعاصر، وعلى هذه الخلفية ليس في الأفق أي حلول قريبة لأن عواصم القرار دخلت في إطار الاستنفار لمكافحة جائحة كورونا العائدة إلى أكثر من دولة، إلى استحقاقات ستجري في هذه الدول المعنية بالملف اللبناني وتعتبر من الأولويات بالنسبة إليهم، ما يعني أن اللعبة الداخلية أضحت مفتوحة على أي معطى أو حدث قد يحصل في هذا الوقت الضائع بما في الإستحقاقات الدستورية الداهمة التي يكتنفها الغموض حيث ترى بعض المرجعيات السياسية أن الفراغات ستكون شاملة في هذا الإستحقاق وذاك.