تصعيد غير مسبوق شهدته العلاقات اللبنانية – السعودية والأمور مرشّحة إلى مزيد من التصعيد في ظلّ استخفاف لبنان الرسمي في التعاطي مع الأزمة وعدم تدارك خطورة تداعياتها.
آخر ما رشح من معلومات عن مصادر إغترابية أنّ “المملكة العربية السعودية بدأت بإرسال رسائل إلى مواطنين لبنانيين من الطائفة ”الشيعية” بضرورة مغادرة أراضيها”، هذا الأمر شكّك فيه المُحلل السياسي نضال السبع حتى هذه اللحظة، مؤكّداً أنه “لا خطر عليهم ولكن الخشية من الإخفاق اللبناني بالتعاطي مع هذه الأزمة وأن نصل إلى المحظور”.
ولفت في حديثٍ لـ”ليبانون ديبايت” إلى أنّ “السعودية إستخدمت معنا الإجراء الدبلوماسي المُتّبع بين الدول ولم تتعرّض للجالية اللبنانية، ولكن الخشية من أن يؤدّي الإخفاق الحكومي في معالجة هذه الأزمة الى تطوّر الأمور. ويبدو أن الرئيس نجيب ميقاتي لم ينجح في بلورة حلول حقيقية تُقنِع الجانب السعودي”.
وأوضح السبع أنّ “خطة معالجة الأزمة التي أعلن عنها ميقاتي هي إنعكاس لجو المسؤولين الدوليّين الذين التقاهم في غلاسكو. وقد تحدَّث عن ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن التعطيل الحكومي ممنوع
الأمر الثاني: التشديد على بقاء القاضي طارق البيطار وعدم حل الأمور القضائية في مجلس الوزراء وفصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية. الأمرالثالث، أو الصاعق التفجيري الثالث: ألا وهو تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي”.
وقال: “يبدو واضحاً أنه من خلال طريقة تعاطي قرداحي أن لا حلول. وبالتالي علينا أن ننتظر في المرحلة المقبلة المزيد من تأزّم الأمور. وبإعتقادي الشخصي أن الرئيس ميقاتي يعاني في هذه الأوقات من أزمة داخلية لبنانية واحتقان داخل الشارع السنِّي الذي يرى في السعودية علاقة مقدَّسة وإرتباط روحي وديني وثقافي وحضاري”، ويعتبر أنّ “المساس بهذه العلاقة من المحرَّمات. ونحن مقبلون على انتخابات، والرئيس ميقاتي يقوم بهذه الحسابات. كما أن ميقاتي أمام أزمة خارجية وهي علاقته مع العرب ودول الخليج، ولا يمكنه أن يحمل “سنيَّاً” أنه تمَّ في عهده قطع العلاقة مع دول الخليج والعرب. كذلك لا يستطيع الوقوف أمام المطالب الدولية والتي عبَّر عنها من خلال خطة الخروج من الأزمة”.
وذكّر بأن “لا تواصل لبناني – سعودي، وأعتقد أن الجانب السعودي يُراقِب الإجراءات اللبنانية. فهناك شعور بأن تباطوء ميقاتي في اليوم الأول بعد لقائه الرئيس ميشال عون وعدم أخذه موقف حادّ وجادّ وحقيقي، ربما دفع بالوزير جورج قرداحي للإدلاء بالتصريحات الإستفزازية، والتي دخلنا في نفق الأزمة اللبنانية السعودية بعدها”.
أما عن إحتمال لجوء السعودية لإجراءات تصعيدية أخرى تجاه لبنان، فرأى السبع أنّ “الجانب السعودي لم يأخذ إجراءات حتى هذه اللحظة فقد إنتقلنا عملياً بين مرحلتين: الأولى كانت مرحلة إجراءات سعودية، ثم إنتقلنا إلى مرحلة الإجراءات خليجية. والخوف كل الخوف من أن ننتقل إلى مرحلة الإجراءات العربية”.
أضاف: “أنا هنا أتساءل هل سيحضر لبنان القمة العربية المقبلة؟ هناك خوف من تأزُّم الأمور أكثر فأكثر، وأن نشهد تحرّكاً لمجلس التعاون الخليجي بإتِّجاه ضغطٍ أكبر على الحكومة اللبنانية.
وأردف: “كما أنّ الأطراف الداخلية داخل الحكومة لا تساعد ميقاتي. فعلى سبيل المثال فإن الشخص المُكَلَّف بإدارة ملف هذه الأزمة، أي وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، كان من الواضح أنه يتعمّد إطلاق تصريحات إستفزازية. ولا أعتقد أن تصريحاته جاءت من فراغ فهو شخص ضليع ودبلوماسي قديم وعريق. وبالتالي هو يُدرِك معنى كلامه، ويُدرِك أن الصحافيين يسرِّبون في العادة. لذا فقد تعمَّدَ أن يُسرِّب هذا الكلام ربما ليدفع السعودية لاتّخاذ إجراءات أكثر قساوة بحق لبنان”.
وردًّا على سؤال عن المطلوب من أجل معالجة الأزمة مع الخليج، إعتبر السبع أن “هناك أمرين: أولاً، أن يُمنَع أي وزير من إطلاق تصريحات إستفزازية بحق السعودية والخليج. ثانياً، أن يبدأ ميقاتي بإجراءات إقالة أو إستقالة الوزير قرداحي”.
ووفقا للسبع فإنّ ميقاتي يُعانِي من ثلاث عبوات تفجيرية في هذه الحكومة: العبوة الأولى هي القاضي البيطار، العبوة الثانية ملف الطيونة، والعبوة الثالثة ملف الأزمة مع الخليج وجورج قرداحي. وبالنسبة للعبوتين الأولى والثانية في حال إنفجرتا، فستنفجران داخلياً ويُمكن إحتوائهما. أما العبوة الثالثة فهي الأخطر، لأنها ستُؤَدِّي إلى توتُّر علاقات لبنان مع بيئته ومع إمتداده العربي، تحديدا مع السعودية والخليج. وأعتقد أن ميقاتي مُطالبٌ اليوم بحلّ مسألة العبوة الثالثة، ومن ثم الإنتقال إلى حلّ الأزمات الأخرى التي تعترِض حكومته”.
ولم ينفِ السبع وجود مخاوف جديّة من تطوّر الأزمة الخليجية لتصبح عربية وأن يتم تعليق عضوية لبنان في الجامعة العربية، وقال: “هناك خوف حقيقي من هذا الموضوع. وكان لافتاً في هذا الإطار تصريح أمين عام الجامعة العربية الذي دخل على خط الأزمة اللبنانية – الخليجية، وعبَّرَ عن مواقف كانت نوعاً ما شديدة. والخوف الأكبر إذا لم يُدرِك أركان الحكم في لبنان خطورة إلى أين تتَّجِه هذه الأزمة، فنحن أمام كارثة كبرى”.
ورأى أنّ “من يريد الحلّ لا يُمكِن أن يترُك وزير خارجية يتحدَّث عن سوق رائج للمخدرات في السعودية، هذه اللهجة اللبنانية تزيد الطين بلَّة، وهي تدفع باتجاه تأزيم الوضع أكثر فأكثر وتضع عراقيل أمام أي حلّ مُمكِن”.
والسؤال هنا من الذي يدفع باتجاه التأزيم؟، بنظر السبع “هذا السؤال يجب أن يُسأل عنه ميقاتي. من الذي طلب منه تعيين الوزير عبد الله بو حبيب في الخارجية؟. ويجب أن يُسأل بو حبيب أيضاً هل هو وزير خارجية ولا يُدرِك حقيقة وخطورة تصريحاته”؟..
ومضى السبع قائلا: “”بتقديري إستخفّ ميقاتي في اليوم الأول بهذه القضية وربما اعتبر أنه يمكنه معالجتها وكأنه يُعالِج قضايا طرابلسية في أزقَّة طرابلس أو كأنه يُعالِج إحدى القضايا مع أحد الأطراف اللبنانيين بمنطق تدوير الزوايا. من الجليّ أننا لا نُدرِك حقيقة المُتَغَيِّر الذي حصل مع السعودية. فالسعودية اليوم هي دولة مؤسسات وبالتالي تتعاطى معنا على هذا الأساس ولا يُمكِن أن تقبل بمنطق تدوير الزوايا وطيّ الملفات”.
وخلص السبع الى أن “هناك تراكمات ربما أدَّت إلى هذا الإنفجار. ولكن هذا الأمر كان مُمكِن تلافيه لو أقدم ميقاتي بعد لقائه رئيس الجمهورية على دعوة وزير الاعلام إلى الإعتذار على سبيل المثال، أو بالحدّ الأدنى أن يطلب منه تقديم إستقالته، أو أن يتباحَث مع الرئيس ميشال عون من أجل إقالته أو يبحث من تحت الطاولة أو يُسَرِّب بعض الأخبار عن إجرائه إتصالات مع الوزير سليمان فرنجية من أجل سحب صاعق التفجير. ولكن ميقاتي خرج عملياً ببيان حكومي بعد لقاء عون وهو يتحدّث للسعوديين عن العلاقات الأخوية. هذا الخطاب قُرأ في الرياض على أنه “شِعِر” وتدوير للزوايا وعدم جدّية لبنانية لحلّ هذا الملف”.
الأمر المُلفِت أيضا بحسب السبع أن جورج قرداحي تساءل أين هي السيادة اللبنانية؟. ويحق لنا اليوم أن نسأله عندما تمَّ تشكيل هذه الحكومة برعاية وتفاهم فرنسي – إيراني أين كانت السيادة؟. ولو أن إسم قرداحي لم يمر على المراجع الفرنسية والإيرانية وتمَّت الموافقة عليه لما تمَّ تعيينه في الوزارة، فأين كانت السيادة اللبنانية؟ أين كانت أيضاً السيادة اللبنانية أيضاً عندما قام الوزير بو حبيب بدعوة مندوب من السفارة الإميركية لبحث الأزمة اللبنانية – السعودية”؟
وشدّد السبع على أن “ما قاله وزير الخارجية اللبناني عن أن السعودية تريد رأس حزب الله غير صحيح. فالسعودية لا تتعاطى مع لبنان لتطلب منه ذلك. ربما هو طرح هذا الأمر لكي يُعَقِّد الامور أكثر وأن يجعل حلّ الإشكال مع السعودية أصعب. وما تطلبه السعودية بشكل مباشر هو عدم التدخل بشؤونها الداخلية، وخاصةً الحرب في اليمن”.
واستنتج أنه “حتى اللحظة يتبيَّن أن ميقاتي عاجِز عن حلّ الأزمات المُتتالِية”.
كما لفت الى أنه “على الدولة اللبنانية أن تسأل قرداحي عن تلك المُقابَلَة التي أجراها في تركيا والتي انتقد فيها السعودية، وكان لافتا أن وزير لبناني يُطالِب بانقلاب عسكري”.
وعن احتمال أن تصبح حكومة ميقاتي ضحية هذه الأزمة، أسف السبع لأن “الأزمة كبيرة جداً، وهي أكبر من رئيس الحكومة. وبالرغم من الدعم الدولي الذي تلقّاه إلاّ أنه إذا لم يتم التعاون معه داخلياً، أعتقد أنه سوف يقدِّم إستقالته ونبدأ مرحلة الفراغ الحكومي”.