“ليبانون ديبايت” – وليد خوري
إنْ كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رَسم خريطة طريق للخروج من الأزمة داعياً الجميع إلى مُلاقاته، فإنّه حدَّد السقف الذي يَجب أنْ تَسلكه الحكومة في قابل الأيّام، وظَهر من لَهجته الحَازمة “لا تُدار البلاد بلغة التحدّي والمكابرة” ومُخطئ مَنْ يَعتقد أنّه يُمكنه أخذ اللبنانيين إلى خيارات بعيدة عن تاريخهم وعُمقهم العربي، بأنّه تلقى جرعة من الدعم لِيقف في وجه المُعطّلين ، كما حَسم بأنّ إستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي هي باب الدخول الى خارطة الطريق.
ومِن هذا المنظور ترى أوساط مُراقبة أنّ كلام الرئيس ميقاتي الذي جاء بعد لقائه الرئيس ميشال عون وَوضعه في أجواء لقاءاته في غلاسكو، هو كلام نوعي في أسلوبه ومضمونه وما دعوته وزير الإعلام إلى الإستقالة من باب التعويل على حسّه الوطني إلّا من حتميّة معرفته بأنّه سيُشكل مفتاح العبور إلى خريطة الطريق التي يَطرحها لِيذهب الجميع على أساسها إلى الحلول الكبرى.
وإزاء هذا الواقع فإنّ قابل الأيام كما تراها الأوساط سوف يرتكزُ على الإجابة عن ثلاث أسئلة كبيرة:
-هَل هنُاك فكّ إرتباط إيراني فرنسي الذي كان السبب الوجودي للحكومة “الميقاتية”، وهَل سيستمرّ في رعاية هذا المولود القابل للموت “الفجأة” بعد تلقيه أكثر من فيروس فتّاك؟
-هَل هُناك فكّ اإرتباط فرنسي إيراني في مُقابل تدخل أميركي لرعاية الحكومة من جديد أو نحن ذاهبون مِن هنا إلى مكان آخر وهو سؤال يُطرح في مكانه وزمانه.
-لماذا يَصرُّ الرئيس ميقاتي النجيب في السياسة على الحلقة الأولى من خارطة الطريق أي إستقالة قرداحي لو لمْ يَكن على يقين “كلّي” ولديه المعطيات الحاسمة أنها السبيل لمعالجة الأزمة مع المملكة العربية السعودية وبالتالي دول الخليج العربي.
إذًا من البديهي أنْ يُشدِّد الرئيس ميقاتي على هذه الإستقالة بعد الحلقة الدائرية من غلاسكو إلى عين التينة حيث إستشرف الحلول المُمكنة وتيقّن أنّها تُمهِّد فعلياً للحلّ.
وإذا عَلق في أذهان الناس أنّ في هذه الخطوة تنازلاً عن السيادة وحشر حزب الله يُمكن القول أنّ هذا قد يَحدث، لكنّ برأي كُلّ من رئيس الجمهورية الحريص على السيادة إلى الرئيس نجيب ميقاتي الضنين بالمصلحة الوطنية العليا يجب المواءمة بين السيادة والمصلحة.
وإذا تسبَّبت هذه المواءمة بأضرار مثل إستقالة الوزير فإن ذلك شرّ لا بُد منه، لكنّ السؤال الذي يُطرح هل سيكون “الثنائي الشيعي” أي “أمل” وحزب الله عائقاً أمام هذا الحل؟ وَهل يوافقان على إستقالة الوزير؟
وتَعتبر المصادر، أنّه “في حال عدم سلوك هذا المسار فإننا ذاهبون إلى مكان آخر في الوضع المحلي والداخلي، لكنّها لا تتصور بأنّ أحد في صَدد تعطيل الحكومة أو إستقالتها فهي حكومة إنقاذ كما أعلنت عند تشكيلها ويقع على عاتقها المفاوضات مع صندوق النقد اضافة الى الاستحقاق الابرز وهو الانتخابات النيابية فهل يخاطر الاطراف بسلب البلد ما يكن ان يسعى لإنقاذه.
في المُحصّلة فإن الرئيس ميقاتي يقفُ على مفترق طرق خطير جداً لذلك طلب وتمنَّى وسيُكمل في السعي للإصلاح ما أفسدته العبارات أو “النوايا القضائية”، لكنّ الخوف باقٍ على حكومة آيلة بأيّة لحظة للسقوط.
“ليبانون ديبايت”
أطلقَ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فور عودته من مؤتمر غلاسكو، موقفاً تصعيدياً لافتاً، إذ توقّف عند نهج التفرّد والتعطيل الذي تعرّضت له حكومته من الداخل بعد شهر واحد من عمرها.
وأطلق سهامه بأكثر من إتجاه، مُشدّدًا على أن “الأمور لا تدار البلاد بلغة التحدي والمكابرة، ومَنْ يعتقد أنه قادر على فرض رأيه بقوة التعطيل والتصعيد الكلامي على المنابر فهو مخطئ”.
وفي قراءته للمواقف التي أطلقها رئيس الحكومة عَّلق رئيس معهد “المشرق للشؤون الإستراتيجية” سامي نادر قائلًا: “هذا أمر جيد لأنه آن الأوان لكي يرفع الرئيس ميقاتي رأسه ويُعلِن رفضه للحال الذي وصل إليه البلد”، مُعتبراً أن “البلد مخطوف، بالتالي يجب أن يقف أحد ما ويرفض أن يأخذ البعض لبنان بإتجاه معيَّن”.
وذكّر نادر في حديثٍ لـ “ليبانون ديبايت”، بأنّه لا يمكن لأحد أن يأخذ البلد على عكس إرادة اللبنانيين وهو لا يمثّل الجهة الرسمية المخوَّلة بذلك، وما قام به الرئيس ميقاتي اليوم هو تأكيد على أن لبنان الرسمي لا يوافق على ما حصل. وهذا هو الحدّ الأدنى المطلوب. ولو أنه تأخَّر قليلا بموقفه لكن أن “يتأخر قليلاً أفضل من أن لا يأتي أبداً”.
وعن لغة التحدي والمكابرة ومن قصد بها ميقاتي، رأى نادر أن هذا الكلام ”موجَّه لشركاء الداخل ولكن أيضاً هو يوجِّه رسائل للخارج وللأسرة العربية المُمتَعِضَة والتي فقدت الأمل بلبنان وقَرَّرَت أن تقطع العلاقات معه، بالتالي فإن كلام ميقاتي يحمل رسالة مزدوجة”.
وبالنسبة لشركاء الداخل، أوضح نادر أنّ “حكومة ميقاتي مُعَطّلَة (الموتورات مطفأة) وقد حاول أن يُعالِج ملفَيْن: ملف الإنتخابات وملف الإنهيار الإقتصادي، إلا أنه لم يفلح بمعالجة أيٍ منهما. كما أنّ المشاكل تحاصر الحكومة التي تعطّلت جلساتها، وباتت تعاني من مشاكل داخلية، ولديها أيضاً مشاكل مع المجتمع الدولي لأنها لا تستطيع الإقلاع والمباشرة بعملها، والعقوبات تنهال من هنا وهناك. وكذلك لديها مشاكل مع الأسرة العربية ومع مؤسسات الدولة تحديدا السلطة القضائية”.
أمّا عن تطرّق ميقاتي لمسألة الإنقلاب على الدستور، فأوضح نادر أن ”الإنقلاب على الدستور هنا المقصود به التعطيل من جهة. ومن جهةٍ أخرى، فإن لبنان هويته عربية ولا يمكنه أن يكون على قطيعة مع الدول العربية، والإنقلاب على الدستور بهذا المعنى يكون عبر تعطيل نظام الجهورية لأن هذا هو الأساس”.
وتابع: “لا يمكن لأحد أن يهدِّد بالتعطيل بمعنى أنه: “إذا ما بتعمل متل ما بدي بنسحب من الحكومة”. أصبح الحكم بفعل الفيتو. وقصة الميثاقية: “إما أن تفعلوا ما أريد أو أقلب الطاولة على الجميع بذريعة خرق الميثاقية – ما هذه الحجة؟ الجمهورية لا تدار بهذه الطريقة، ولا هكذا يتحقّق توازن السلطات ولا المؤسسات”.
وعما إذا كان هذا الموقف مؤشّرا على بداية إشتباك بين “حزب الله” وميقاتي؟ قال نادر لموقعنا: “أجل بالحدّ الأدنى.أعتقد أنه إذا بقيت حكومته معطّلة فعليه هو ورئيس الجهورية إتخاذ القرار المناسب ولا يمكنه الإستمرار على هذا المنوال. وهو تحديداً عليه أن يتصرّف لأنه رئيس هذه الحكومة، بالتالي إذا لم تنعقد جلسات مجلس الوزراء، فلا يمكنه الإنتظار إلى الأبد فما يحصل وكأنه يتم دفعه إلى الإستقالة. لذا يجب عليه أن يحزم أمره ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم”.
وعن عدم إستجابه الوزير جورج قرداحي لنداءات رئيس حكومة، لفت نادر إلى أنه “هذا أيضا من مغالطات الإنقلاب على الدستور، فلا لا يمكن أن يكون الوزير مُطلَق الصلاحية. ونرى اليوم أن الوزير أقوى من رئيس الحكومة ورئيس الجهورية، وهو محمي بالطائفة وبالفيتو، وهذا الأمر لا يجوز”.
ورأى أن “هناك طرفاً يستقوي بطرفٍ آخر في الإقليم بوجه رؤساء السلطة الشرعية ورموز السلطة الشرعية. ويبدو أن قرداحي يستقوي بحزب الله. إلا أن المسألة لم تعد متعلّقة بجورج قرداحي بل أصبحت ورقة إقليمية. وقد صرَّح وزير الخارجية السعودي بأن: “المرض الحقيقي هو أن لبنان مخطوف ولا جدوى من الحديث مع الحكومة اللبنانية، لأن لا حيلة لها ولا يمكنها إتخاذ قرار، ولا القيام بالإصلاحات، ولا وقف تصدير الكابتاغون، ولا أي شيء آخر”.
ووفقًا لنادر فإنّ الكلام الذي صدر عن ميقاتي كان يجب يصدر عن “لبنان الرسمي” في حِينه، وكان يجب القول إننا لا نقبل بهذا الكلام ولا نرضى به. وعندما تفوَّه به قرداحي لم يكن وزيراً ولم يكن هناك من داعِ للتبرير”.
وعن سبب عدم القيام بذلك في حينه أجاب: “خوفاً من حزب الله”.