د تكونُ قمة التغير المناخي في غلاكسو “فال خيرٍ” على لبنان وسط الأزمة الدبلوماسية القائمة بينه وبين دول الخليج العربي، إذ أن توقيت القمّة العالميّة جاء في الوقتِ المناسب لتحريك المياه الراكدة.
فمن خلال حضوره هناك، كرّس رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي مساعيه وعلاقاته لإضفاء “تغيير إيجابي على المناخ الدولي والسياسي” تجاه لبنان، وراحَ يعقدُ اللقاءات المباشرة مع رؤساء وقادة الدول للبحث في الحلول المطلوبة من أجل لبنان ووضعها على سكة التنفيذ.
اجتماعات رئيس مجلس الوزراء جاءت أيضاً لتضع حداً للمتملّقين و”ماسحي الجوخ”، خصوصاً من أولئك الذين نادوا باستقالة ميقاتي عقب الأزمة المستجدة مع السعودية، وطالبوه بقطع مشاركته في القمة العالمية والعودة إلى بيروت.
غير أن ما تبيّن هو أن ما فعله ميقاتي كان في محلّه، لأن وجوده في غلاسكو حالياً يفتح المجال أمام مباحثاتٍ شاملة لا يمكن أن يجريها في حال كان موجوداً في بيروت. ففي غلاسكو، التقى ميقاتي العديد من رؤساء وقادة الدول، وهذه خطوة صائبة وفي مكانها لمعالجة المشاكل المتراكمة بحكمةٍ ودراية بعكس ما أشاعَت الغرف السوداء عن عدم قدرة ميقاتي على تدوير الزوايا ووضع حدّ للأزمة القائمة.
يقول مقرّبون من رئيس الحكومة أنّ الأخير أراد أن يُعطي الأمور وقتها، في حين أن الأمر الأهم هو أن ميقاتي نجاح في إبعاد شبح استقالة الحكومة عن الواجهة وبدّد فكرة الفراغ التي يرفضها تماماً رئيس الجمهورية ميشال عون. وبهذه الخطوة، تمكّن ميقاتي من قطع الطريق أمام المتصيدين بالماء العكر والطامحِين للتسلق على جدار الأزمة لاستغلالها في الدّاخل، وكانت لديه القدرة على نزع فتيل الانفجار المحتّم في حال سقطت الحكومة.
ووسط ذلك، استطاع ميقاتي تثبيت الحكومة أكثر من خلال حشدِ الدعم الدولي والعربيّ لها، إذ أن لقاءه اليوم مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وبالأمس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل ورئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس مجلس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز وغيرهم من المسؤولين، كلها كانت كفيلة بجذب الاهتمام الدولي لمعالجة تداعيات الأزمة مع الخليج وفتح الآفاق أمام تكريس الغطاء المطلوب لبيروت.
لماذا يريدُ المجتمع الدولي بقاء الحكومة؟
منذ اشتداد الأزمة الدبلوماسية بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، لم يتوانَ البعض عن المطالبة بإخراج ميقاتي من السراي الحكومي عند أوّل منعطف، ضاربين عرض الحائط كل المخاطر التي قد تترتب عن سقوط الحكومة.
غير أن الكلام الدولي الأخير بشأن بقاء مجلس الوزراء وتماسكه أسكت الكثيرين. وبشكل قاطع، فإن المجتمع الدولي لا يريدُ انفلات الأوضاع الأكثر، لأن غياب حكومة يعني تشرذماً أكبر وانفلاتاً للوضع الأمني وتسارعاً للانهيار الاقتصادي.
ومما لا شكّ فيه أكثر هو أنّه ليس من مصلحة المجتمع الدولي إسقاط الحكومة التي طالب بتشكلها ورحّب بدخولها ميدان العمل، كما أنه ليس من مصلحة أحد أن يغرق لبنان بالفوضى العبثية التي تهدّد استقرار المنطقة ككل. ومع هذا، فإنّ المجتمع الدولي يسعى لبقاء الحكومة ودعمها من أجل الوصول إلى الانتخابات النيابيّة التي يجري التعويل عليها كثيراً لتغيير الواقع القائم، في حين أن وجود حكومة يعني استمراراً للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي لمعالجة الانهيار المالي والاقتصادي.
كذلك، فإنّ وجود سلطة تنفيذية فعليّة وأصيلة هو مطلب عربي بالدرجة الأولى، لا سيما أن تدهور الأوضاع في لبنان لا يمكن لأي جهة أن تتحمّل تداعياته. وعليه، فإن حماية الحكومة يعني استمرار البحث في الحلول وتحقيقها ولو كلف ذلك الكثير من الوقت. وعلى الصعيد السعودي، فإنّ المطالبة لم تكن أبداً بإسقاط الحكومة، بل على العكس، كانت الدعوة دائماً لتحقيق الاستقرار من خلال عملٍ حكومي جدّي وفعال يوقف الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان. وعملياً، فإن الأمر نفسه يتأكد لدى قطر والكويت، ولهذا فإن المراهنين على سقوط الحكومة قد تلقوا الفشلَ بشكل فعلي.
وفي المحصّلة، فإنّ الأجواء الراهنة تشيرُ إلى أنّ العُقَد قد تتجه إلى الحل طالما أن ميقاتي يعمل على تدوير الزوايا، وقد يعمل على تكثيف لقاءاته الدولية أكثر من أجلِ وضع حدّ لأي أزمة تعيقُ مسار التعافي والانفتاح على المحيط العربي والمجتمع الدولي.
الحراكُ هذا يلقى الدعم الكامل من رئيس الجمهورية الذي لم يقطع اتصالاته مع ميقاتي، فالتنسيق مستمر وقائم والهدف الأول هو تذليل العقبات القائمة أمام علاقات لبنان مع الدول العربيّة.
المصدر: لبنان 24 – محمد الجنون