كان من السهل على الرئيس نجيب ميقاتي إتخاذ موقف متسرّع حيال الأزمة المستجدّة. وكان من السهل عليه أيضًا أن يتخذ موقفًا إنفعاليًا والتجاوب مع مَن إتصل به وتمنى عليه تقديم إستقالته “لأن الأمر لم يعد يُحتمل”.
فلو تصرّف الرجل كما أراد البعض أن يتصرّف لكنّا “فتنا بالحيط”، ولكنا قد أصبحنا بالتالي أمام أزمة جديدة. وبدلًا من أن نصبّ كل الجهد على معالجة تداعيات أزمة بهذا الحجم من الخطورة، نكون كمن يصبّ الزيت على النار.
فلو إفترضنا أن الرئيس ميقاتي تجاوب مع بعض النداءات التي تمنّت عليه الإستقالة فماذا ستكون عليه البدائل، وبالتالي هل هناك بدائل، أم أن البلاد ستدخل في المجهول أكثر مما هي عليه اليوم بفعل تداخل الأزمات بعضها بالبعض الآخر؟
كيف تصرّف الرجل، وهنا يمكن التوقّف مليًا عند ظاهرة متانة أعصابه؟
الخبر الآتي من الرياض تلقّاه رئيس حكومة لبنان بعقل بارد، مع أن ما حمله الخبر ليس أمرًا عادّيًا، وكأنه كان يتوقع حصوله نتيجة الخطأ الفادح الذي إرتكبه وزير الإعلام جورج قرداحي، وما تلاه من ردود فعل، منها ما هو شاجب، ومنها ما هو مؤيد وداعم. وقد يكون ما إتخذ من مواقف لاحقة هي التي فجرّت الأزمة ودفعتها إلى هذا المنحى.
عدّ الرجل للعشرة. إستلهم ربه. ثم تصرّف. لم يتأخر في اصدار بيان أعرب فيه لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ولولي عهده الأمير محمد بن سلمان عن “رفضنا الشديد والقاطع إلى كل ما يسيىء إلى العلاقات الأخوية العميقة مع المملكة العربية السعودية، التي وقفت دائمًا إلى جانب الشعب اللبناني في مواجهة تحدياته الكبيرة على مدى عقود طويلة”، متمنيًا أن تعيد قيادة المملكة، بحكمتها، النظر في قرارها، و”نحن من جهتنا سنواصل العمل بكل جهد ومثابرة لإصلاح الشوائب المشكو منها ومعالجة ما يجب معالجته”.
وبلباقة الرجل المسؤول إتصل بالوزير قرداحي وطلب منه تقدير المصلحة الوطنية وإتخاذ القرار المناسب لإعادة إصلاح علاقات لبنان العربية، تاركًا له المجال في إتخاذ القرار المناسب، ولم يطلب منه بالمباشر، كما فعل غيره، تقديم إستقالته.
الامور المصيرية لا تُعالج بخفّة وسطحية، بل تحتاج إلى الكثير من التعقّل والروية والإحاطة بكل ما يتوافر من معطيات من كل جوانبها، الظاهر منها والخفي. وقد يفوت بعض الذين لا يقدّرون العواقب ولا يحسنون التصرّف بعقل بارد ومنفتح بعض القطب المخفية، التي لا يمكن رؤيتها عادة إلاّ من زوايا متعدّدة وبنظرة ثاقبة.
الرجل تصرّف على أساس أن لكل مشكلة حلًّا، وأن هذه “العاصفة” لا بدّ من أن تتحّول بعد حين إلى غيمة صيف وتعبر. بدا واثقًا من أن أشقاء لبنان لن يتركوه يتخبّط وحيدًا بأزماته المتراكمة والمتزايدة، وهو يدرك تمام الإدراك مدى حرص المسؤولين العرب على إستقرار لبنان ووحدته، وهم واعوون لما يتمتّع به لبنان من خصوصية نتيجة واقع قائم على تعدّد المواقف وتنوعّها، مع تشديده على ضرورة أن يأخذ أصحاب هذه المواقف، على تعدّدها وتنوعّها وإختلافها، مصلحة لبنان أولًا وأخيرًا، مع العلم أن مصلحة لبنان في الدرجة الأولى تقوم على علاقات ممتازة ومميزة مع أشقائه العرب، لما تربطه بهم من مصالح وأهداف مشتركة.
المطلوب اليوم وأكثر من أي وقت مضى تغليب لغة العقل الراجح على العواطف السطحية، والتصرّف بوعي ومسؤولية، وإحاطة المشكلة القائمة بمعالجات سريعة وفورية، وعدم سكب الملح على الجروح المفتوحة.
المصدر: لبنان 24