أدخل الدولار لبنان في “أزمة مالية وإقتصادية حادّة” منذ تشرين الاول من العام 2019. فاستيراد المحروقات والمواد الغذائية والادوية والقمح والطحين لا يتم إلا بالعملة الخضراء، في وقت، تشهد البلاد شحّاً في الدولار من جهة، وارتفاعا في سعر الصرف في السوق الموازية من جهة أخرى. وكان لافتا، وخلافا لكل التوقعات، أن يُسعّر البنزين على الـ20 الف ليرة بدلا من 16 ألفاً. فأصحبت المحروقات بلا دعمٍ، مما سيُخفف من الاعباء على الاحتياطي الالزامي لدى مصرف لبنان ، الذي قارب الـ13 مليار دولار. في المقابل، ستتأثر السلع الغذائية والخبز بالارتفاع الجنوني للمحروقات، الامر الذي سيزيد من أعباء المواطنين، وخصوصا وأن الحدّ الادنى للاجور لا يزال عند 675 الف ليرة، ما يعادل تقريبا صفيحتين من البنزين.
وتجدر الاشارة إلى أن الاقتصاد اللبناني يقوم بشكل أساسي على موردين للدولار حالياً، الاول عبر إحتياطي مصرف لبنان الذي لا يتجدد وانخفض بشكل حادٍّ مع سياسة الدعم، وفُرمل مع تحديد أسعار المحروقات الجديدة، بانتظار ما سيقرره المسؤولون حول الاستمرار بدعم الادوية المستعصية والقمح، والثاني أموال المواطنين المخزّنة في المنازل.
وبحسب مراقبين للوضع الاقتصادي، فإن الدولارات المتواجدة في البيوت متجددة، ومصدرها الاموال التي سحبها اللبنانيون من المصارف قبل الازمة وبعدها، بالاضافة إلى دولارات المغتربين المحوّلة لعائلاتهم في لبنان. ويبقى السؤال بحسب المراقبين، مع رفع أغلبية الدعم، وارتفاع سعر الصرف وأسعار المواد الغذائية، هل يتم حثّ المواطنين على دفع دولاراتهم أو تصريفها لدى محلات الصيرفة، لتأمين حاجاتهم اليومية، فيقوم المصرف المركزي بشراء هذه الدولارات للمحافظة على الدورة الاقتصادية؟
في هذا الاطار، تقول الخبيرة في الاقتصاد النقدي والمالي ليال منصور إن “هناك بعض الطرق لحثّ اللبنانيين على صرف دولاراتهم. ومثال على ذلك خفض سعر صرف الدولار في السوق الموازية، أو “دولرة” الاقتصاد، وهو الحلّ الانسب”. وتُضيف أن الحلّ الثاني من شأنه أن يُفقد السياسيين والمصرف المركزي سيطرتهم على الوضع المالي”. وتوضح أنه “عندما يتصرف المواطن بدولاراته لتأمين حاجاته من المأكل والتنقل ودفع الفواتير، هذا لا يُعتبر “دولرة”، وإنما مخدّر. فبيع الدولار بطريقة عشوائية على أسعار مختلفة لا يُسمّى “دولرة” أبداً، بل فوضى”.
وتُشير منصور إلى أن “الدولرة” في لبنان ستُسمى “مجلس النقد” في حال طُبّقت، وهي بحاجة لاتفاقية دولية ومع صندوق النقد الدولي، ومن إيجابياتها فرض الاصلاحات، والعملة ستكون قويّة كما هي الحال في الولايات المتحدة الاميركية، والفائدة ستكون متدنيّة، مقارنة بالدول المجاورة، حتى في ظلّ غياب الاستقرار الامني والسياسي”. وتلفت الانتباه إلى نقطة أساسية وهي أنه “في موضوع “الدولرة”، لن يعود هناك حديث عن مشكلة الدولار، مع وجود عملة جديدة قويّة، قائمة على النمو الاقتصادي”. ولماذا لا يقترح صندوق النقد الدولي “الدولرة” خلال مفاوضاته مع الجانب اللبناني؟ تقول منصور إن “الصندوق لا يقترح، ولبنان يفاوض وإذا أراد طلب المساعدة في هذا الموضوع، يقدّم الصندوق النصائح والمشورة والحلّ”. وتستبعد أن تقوم الحكومة بطلب المساعدة من صندوق النقد في ما يخص “الدولرة”، لغياب الدراسة محليّاً حول هذا الموضوع”.
وتعتبر منصور أن “الدولار إلى ارتفاع مستمر، بسبب طباعة المزيد من الاموال (الليرة)، وخصوصا إذا تم شراء الدولارات من المواطنين”. وتتابع أن “التاجر من حقّه أن يبيع بالدولار لحماية مصالحه، ولكن المواطن والموظف الصغير هو الذي يتأذى، لانه لا يملك الدولار”.
وتُقدَر الاموال من العملة الصعبة في منازل المواطنين بنحو 10 مليارات دولار. وإذا كان الهدف جذب أو حثّ هؤلاء على صرف دولاراتهم في السوق لتحريك العجلة الاقتصادية من جديد، ترى منصور أن “هذه الاموال ستذهب على الاستهلاك، وليس على الاستثمار. وقد تُبطىء هذه الاموال من الانهيار أو تخفض ،لبعض الوقت، سعر صرف الدولار، لكنها لن تكون الحلّ إذا صُرفت لتأمين المواطنين المحروقات والمواد الغذائية بدلا من الانتاج”.
المصدر : لبنان24 – كارل قريان