استفاق اللبنانيون أمس على ارتفاع جنوني في أسعار البنزين، إذ، وبضربة واحدة، زادت الصفيحة حوالي 60000 ليرة لبنانية خلال أسبوع، ليصبح سعرها (95 أوكتان) 302700 ليرة، وفق جدول التسعير الرسمي الصادر عن وزارة الطاقة والمياه. بالتالي، احتاجت حكومة نجيب ميقاتي 40 يوماً لإلغاء سياسات الدعم. صحيح أن سعر برميل النفط عالميا ارتفع بنسبة 0.2%، ما أدى إلى تسعيره بـ83.14$، لكن الارتفاع اللبناني ناتج عن تسعير المحروقات على سعر صرف 20000 ليرة للدولار.
والمرجّح أن يستمر ارتفاع أسعار المحروقات ما دام السعر العالمي يواصل ارتفاعه، بالتزامن مع شحّ الدولار محلياً.
هذا الواقع يجعل من حسن سير الدورة الاقتصادية مهمة صعبةً، حيث من المتوقّع أن تشهد أسعار مختلف السلع زيادةً جديدةً، فيصبح تأمين القوت اليومي للمواطن عسيراً هذا إن تمكن من تسديد كلفة النقل للوصول إلى مركز عمله، في حين أن الشركات عاجزة عن زيادة رواتب موظفيها أربعة وخمسة أضعاف. فما تداعيات هذه المشهدية على سوق العمل؟
الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة أشار لـ “المركزية” إلى أن “السعر الراهن للمحروقات مرتفع وأدّى إلى ضعف الاقتصاد المحلّي. بالتالي، كلّ القطاعات ستتأثّر ومعها حكماً سوق العمل لأن الشركات التي تضعف توقف التوظيفات الجديدة أو لا تجدد عقود العمل مع موظفيها السابقين”.
أما الحل فيوضح “لا يمكن أن يكون “بكبسة زرّ”، لكن يفترض التوجه إلى الأمور الممكن أن تستوعب سعر المحروقات المرتفع. الاقتصاد اللبناني لم يتطوّر بعد ولا يزال يتّكل بنسبة كبيرة على القطاعات التقليدية والحرفية من دون تطوير الاقتصاد التكنولوجي الذي يستوعب ما يحدث بشكل أكبر، نظراً إلى قيمته المضافة الكبيرة. مثلاً، التركيز في لبنان على الأعمال اليدوية مثل سائقي السيارات العمومية، موزعي المحروقات، غسل السيارات… أما مع اعتماد التكنولوجيا فلا يعود لهذه المهن كلّها وجود. في لبنان عشرات الآلاف من السيارات العمومية، في حين أن ليس بحاجة إلى هذه الأعداد، واليوم يتذمر السائقون من أسعار البنزين، مع أن الاعتماد على وسائل النقل هذه قد تدنى بسبب ارتفاع كلفتها، والمشكلة أن لا يمكن نقل اليد العاملة في هذه القطاعات إلى مجالات عمل أخرى لأنها تفتقر الى تنوع الخبرات، ولا يمكن تركها من دون عمل، ففي فرنسا مثلاً اعتمدت برامج لنقل هذه اليد العاملة إلى مجالات عمل أخرى كالكهرباء أو تصليح السيارات، ويمكن في لبنان القيام بدورات تدريبية لقسم من اليد العاملة لتنتقل إلى قطاعات أخرى…”.
واضاف “هناك أيضاً اليد العاملة الأجنبية التي ستغادر البلاد مع الوقت، ومن المفترض أن تحلّ مكانها العمالة اللبنانية مثل العمل على محطّات المحروقات، الزراعة، قطاع البناء رغم أنه غير ناشط كثيراً راهناً… بالتالي، البلد بحاجة إلى مرونة في سوق العمل وإلى وزارة عمل تدير الملف بحرفية وتضع الخطط لحل المشكلة، إلا أنها في الواقع غائبة”.
ولفت إلى “تدني مستوى الخدمات ونوعيتها بنسبة كبيرة في ظلّ الأزمة الاقتصادية اللبنانية، لا سيما في القطاع الخاص، ومن الصعب جدّاً استعادة النوعية السابقة حتى لو تحسّن الوضع الاقتصادي لأن العودة إلى المستوى السابق يتطلب وقتاً أطول”.
وفي ما خص نشاط الحكومة المعلّق، قال حبيقة “من دون شكّ عدم انعقادها مضرّ، إلا أن الوزارات يمكنها مواصلة عملها منفردةً وانجاز 70% من مهامها”. أما بالنسبة إلى تأثير ذلك على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، فاعتبر أن “البلاد بحاجة إلى دخول دولارات إليها لينخفض السعر أو أن يتوقف الناس عن شراء الدولار في حين أنهم خائفون ولن يبادروا الى ذلك. الخيار الأول يحتاج إلى استثمار خارجي معدوم راهناً ولم نحصل بعد على أي مبلغ من صندوق النقد… بالتالي شحّ الدولار مقابل ارتفاع الطلب هو السبب الأساسي لارتفاع سعر الصرف وليس التلاعب الذي يؤثر عليه بنسبة 5% فقط”.
المركزية