ينتظرُ اللبنانيون اليوم الموقف الذي سيصدر عن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ليتبينوا ما ستؤول إليه الأوضاع، فكلام نصرالله سيكون الحدّ الفاصل بين الذهاب نحو التأزيم أو الإحتكام إلى الحكمة في معالجة ملف “قبع” المحقق العدلي طارق البيطار و “حادثة الطيونة”.
وإذا كانت جماهير “الثنائي الشيعي” قد خرجت في التظاهرة للتعبير عن رفضها لمسار التحقيق في إنفجار المرفأ، فإنّ ما حصل يومها زاد من تمسّك هذا الثنائي بتنحية البيطار أو الوصول إلى حلّ يضمن تصويب المسار.
ومن الحلول المطروحة ما سُرّب عبر الاعلام عن عزم الرئيس نجيب ميقاتي تقديم إقتراح قانون معجل مكرر يوم الثلاثاء القادم بصفته النيابية لإنشاء هيئة إتهامية عدلية جديدة تختص فقط بالنظر في قرارات وإجراءات وتوقيفات المحقق العدلي بإستثناء القرار الإتهامي الذي يصدره للوصول الى المحاكمات العلنية أمام المجلس العدلي، ولاقى هذا الطرح ليونة من قبل حزب الله، فيما رفضه الرئيس نبيه بري بشكل حازم وهذا ما عبر عنه عضو كتلة “التنمية والتحرير” النيابية النائب قاسم هاشم والذي يُعبّر عن الرأي الشخصي للرئيس بري.
وقال هاشم في تغريدته بأن “ما يتم تداوله عبر بعض وسائل الاعلام عن إقتراح قانون معجل مكرر لإنشاء هيئة إتهامية عدلية إستثنائية، وأنه سيتم مناقشته في الجلسة النيابية التشريعية يوم الثلاثاء المقبل”، مؤكدا أن هذا الأمر “عار من الصحة جملة وتفصيلًا، لأنه يتنافى مع الأصول الدستورية التي نحن حريصون على الإلتزام بها”، معتبرًا أن “هذا الإقتراح يحتاج الى تعديل دستوري وهذا غير مطروح.
ويسمحُ هذا الطرح للمتظلمين من قرارات واجراءات القاضي البيطار بأن يكون لديهم هيئة إتهامية لمراجعتها اسوةً بقية قضاة التحقيق في المحاكم العادية، على إعتبار أنّ المتظلم هنا ليس لديه مَن يلجأ إليه أو جهة معروفة لمراجعتها، فليس معروفاً من هي الجهة الصالحة للتدقيق في قرارات القاضي البيطار، هل هي محكمة التمييز او محكمة الاستئناف، خصوصاً أنّ القانون لا ينصّ على فقرة واضحة حول كيفيّة ردّ المحقق العدلي أو تنحيته.
والمُعادلة التي يطرحها الثنائي الشيعي إمّا تنحية البيطار أو تعطيل الحكومة غير قابلة كما يبدو للنقاش، لكن السؤال هل يُضحي الثنائي بحكومة طالت ولادتها المتعثرة لأشهر، فالجواب بالتأكيد لا، لأنّ المهمة التي شُكلت لأجلها هذه الحكومة وشعارها الإنقاذ هو لوقف الإنهيار والحفاظ على الحدّ الأدنى لمقوّمات العيش في لبنان وصولاً إلى الإنتخابات النيابية.
والبديهي أنّ “الثنائي” لن يَقف في وجه مجتمع دولي يشترطُ وجود حكومة فاعلة، مُشهرًّا “سيفه” بوقف المساعدات وعدم الإفراج عنها، في ظلّ ظروف “قاسية جداً” يُعاني منها المجتمع اللبناني برّمته، وهذا ما سيجعل “الثنائي” يُفرمل أي خطوة بإتجاه تطيير الحكومة، وليس هناك من فريق سيكون قادرًا على تحمل مسؤولية بهذا الحجم لأن وقف المساعدات يعني الوصول إلى الإنهيار الكلي.
ما السبيل للخروج من المأزق؟ هناك ثلاث سيناريوهات يُمكن أن تُحاكي حلاً منطقياً: تشكيل الهيئة الإتهامية التي ستتولى النظر بإجراءات وقرارات البيطار، أو الاحتكام إلى التفتيش القضائي ليستمع إلى البيطار ليس كمدعى عليه لكن ليطلع على أنّ الاجراءات التي يتخذها تتوافق مع القوانين أم لا. والحلّ الاخير هو اللجوء إلى مجلس القضاء الأعلى لينظر في مسار الدعوى وليس التدخل في متن التحقيقات.
أمّا في حال فشل المسارات الثلاث فإنّ “الأمور ستتجه حتمًا نحو تدويل مسار التحقيق أو تدويل فشل الحكومة، فهل الثنائي الشيعي على إستعداد لمسألة التدويل هذه، بالتأكيد الجواب هو النفي، إذاً ما هو الحل؟ فهذا الفريق الذي يحمل شعار السيادة الوطنية كأولوية لديه لن يذهب بإتجاه التدويل أبداً وبالتالي هو محكوم بتعزيز الحكومة أولاً والقضاء ثانياً.
وإذ كان معروف أنّ الرئيس برّي مُتخصص في تدوير الزوايا، فإنّ الأزمة الحالية حادّة الزوايا جداً ممّا يجعل الحلول صعبة وتحتاج إلى وقت طويل، إلّا أنّ كلام السيد نصرالله الليلة يتوّقف عليه إنْ كان من المُمكن تليين حدّة الزوايا أو إننا أمام مشهد تأزيم فالكلام اليوم سيُعطي الإشارة بأي إتجاه ستذهب الأمور باتجاه الحلّ أو التأزيم.
ولعلّ أبرز الحلول على الطاولة هي إنعقاد دورة المجلس النيابي يوم غد الثلاثاء حيث سينعم النواب والوزراء “المتهمون” بالحصانة النيابية، بإنتظار صدور القرار الإتهامي ليُبنى على الشيئ مقتضاه.
وما بين كلام السيد نصر الله الليلة وإنعقاد مجلس النواب غداً فإنّه سيتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود.