بين الزيارة “اللهيانية” العابقة برائحة كسر الحصار الإمبريالي بفائض قوتها، والجولة “النولندية” بشوكتها المكسورة وهزيمتها النكراء، وما بينهما من نتائج انتخابات عراقية وتطورات سورية، وصولاً إلى اشتباكات الطيونة – عين الرمانة، تنشغل الساحة اللبنانية بضفّتيها “الموالية” و”المعارضة” في رصد الحيثيات والمواقف، الإقليمية بانعكاساتها الداخلية، وسط تقاطع المخاوف عند عدم إجراء الإنتخابات النيابة الموعودة، وفقاً لمسار الأحداث التصاعدي وترابط الساحات.
فدرس الإنتخابات العراقية التي لم يستطع بعد حلفاء الجمهورية الإسلامية بلعه، والمرجح أن لا يبلعوه أو يهضموه، خصوصاً في ظلّ المواقف المتتالية للكتلة الصدرية، من خطاب النصر للسيد مقتدى الصدر الذي أنهى فيه ميليشيات الحشد بكلمة، ومدّه اليد للأميركيين بقوله “جميع السفارات مرحّب بها”، وصولاً إلى تأكيد الكتلة أن الحكومة لن تكون ممثّلة لجميع الفئات، في مؤشر واضح إلى الرغبة في إخراج “جماعة طهران” من السلطة.
لكن أهمّ ما قاله الصدر يبقى في إعلانه التزام مرجعية العراق، أي السيد السيستاني، مع ما يعنيه ذلك من قلبٍ للمعاملات والتوازنات في الكانتون الشيعي جنوب العراق. وللتذكير لمن فاته أن من أهمّ منجزات زيارة بابا روما إلى العراق، كانت في تكريس مرجعية السيستاني كمحاور شيعي في ملف حوار الأديان، تماماً كما مفتي الأزهر السني. أمرٌ بالتأكيد لم يرق لطهران وأتباعها في طول المنطقة وعرضها.
التطورات العراقية تلك، التي سمحت بقلب التوازنات السياسية العراقية وإرباك الجبهة الإيرانية، توازياً مع الأحداث المتتالية في المنطقة، والمواقف التصعيدية التي بدأت تُترجم على الأرض من أفغانستان إلى أذربيجان، تدفع بقوة في اتجاه الحديث عن نوايا خبيثة لإلغاء الإنتخابات النيابية في لبنان، التي يعوّل عليها العالم كله كما اللبنانيين لأحداث التغيير الذي يطالبون به ويسعون إليه، والذي حتى اللحظة لم تكتمل عناصره بعد.
فإذا كانت نتائج الإنتخابات العراقية ستقود إلى انفجار حتمي في الشارع، مع رفض المتضررين التسليم بما أفرزته، تمهيداً لإعادة الميليشيات الإيرانية إلى حجمها الطبيعي، أي إلى الجنوب، ليستقيم مشروع الدولة الفدرالية الذي رسم حدود كانتوناتها الرئيس جو بايدن نفسه، واضعاً نظامها ودستورها بخطوطه العريضة، فإن ثمة وجهة نظر تقول بأن المسار اللبناني سيكون هذه المرة بعكس العراقي، بمعنى أن تنتج عن الإنفجار الأمني، إنتخابات تغيّر المعادلات.
عند هذا الحد، وفي حال أردنا التسليم بتلك النظرية، ومع عدم استبعاد فرضيات الإغتيال السياسي، يصبح ملف التحقيق في انفجار المرفأ مادةً دسمة لهكذا مشروع، وباباً واسعاً لتوريط الكثيرين وجرّهم إلى ردات فعل تنقلب عليهم وتضعهم في خدمة الهدف الأساسي. فهل ما جرى في الطيونة هو أحد تحديات هذا الأمر؟ بالتأكيد الجواب نعم، خصوصاً أن ردة فعل المعنيين تشير إلى أن الإنتخابات النيابة باتت بحكم ال “طارت”. ولكن ماذا إذا ما ربطنا بين مسلسل الأحداث من شويا إلى خلدة فالطيونة؟ عندها تصبح الخطوط الجغرافية مرسّمة بصورة أفضل، قد تقود في مرحلة لاحقة وقريبة إلى بيروت إدارية منزوعة السلاح بقرار دولي وتنفيذ عربي.
يقول الرئيس الراحل كميل شمعون: “إذا أردت أن تعرف ماذا في بيروت، عليك أن تعرف ماذا في بغداد”، في إشارةٍ منه إلى تلازم المسار بين البلدين، وهو مصيبٌ في ذلك.
كذلك ثمة من ينسب إلى مساعدة وزير الخارجية الأميركية السفيرة فيكتوريا نولاند، “وجهها النحس”، الذي أدّى إلى اندلاع انفجار الأوضاع في كل بلد زارته، استناداً إلى الوقائع التاريخية بحسب هؤلاء.
إذاً في حال جمعنا وربطنا بين مقولة “فتى العروبة الأغرّ” ووريثة “السيد دايفيد شينكر وخطّه”، لاستنتجنا أن ” ميني حرب الطيونة عين الرمانة” هي حلقة في سلسلة، ستؤدي حتماً إلى تغييرٍ على الأرض يُترجم لاحقاً في صناديق الإقتراع، ليعود بذلك التوازن إلى البلد ويستقيم حكم الدولة والقانون.
وفي النهاية سؤال أساسي، هل من ساذج يفكر أو مقتنع بأن العالم أجمع الذي يدعو إلى التغيير عبر الإنتخابات، سيسمح بانتخابات تعيد القديم إلى قدمه؟ هنا قد تتقاطع مصالح أعداء لتختلف على النتيجة. ومن يظنّ خلاف ذلك فهو واهم ومخطئ… والأسابيع القادمة كفيلة بأن تكذب المياه الغطاس