شُيّعت يوم أمس جثامين الضحايا الذين سقطوا في “كمين الطيونة” دون أن ينتهي كل شيء، فحالة الإحتقان والغليان لا زالت سائدة وتزداد حدتها في ظلّ مطالبة ذوي الضحايا بمعرفة من أطلق الرصاصة الأولى وما الذي حدث بالضبط. ما زاد الطين بلّة دخول “العشائر” على الخط، والتي تطالب في حالات مماثلة بالإنصاف وفق القواعد والقوانين الثأرية.
الأمر لا ينسحب على الثنائي الشيعي بطبيعة الحال، والذي وضع موقفه في “قناة” الأجهزة الأمنية، تحديداً قيادة الجيش التي استلمت التحقيقات من خلال مديرية المخابرات بناءً على إحالة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي. في الشقّ السياسي، حدّد “الثنائي الشيعي” مطالبه: العودة إلى الحكومة لا بدّ أن تتمّ عبر أمرين، طرح “مجزرة الطيونة” على طاولة مجلس الوزراء ثم بحث مصير المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الذي لا يجدر أن يبقى في منصبه بعد ما جرى.
حالة معظم الجرحى في مستشفى الساحل مستقرة. غالبيتهم يفضّل عدم الحديث، ويبدو بطلبٍ من الجهات الأمنية. ما يمكن الحصول عليه من كلمات محددة يوحي بلحظات عصيبة سادها إطلاق النار والصراخ. أحد الجرحى يقول بداية أنه سمع إطلاق نار متقطع و “عميق” قبل ان يتعالى الصراخ بين صفوف الشبان بعدما سقط أحد “الختايرة” على الأرض مصاباً بطلقة في رأسه، ثم بعدها ارتفع صوت إطلاق النار بدأ الرصاص ينهمر بغزارة “وكان معظمنا يسعى لتأمين الحماية لنفسه إمّا عبر الإنبطاح على الأرض أو الإختباء خلف سيارة أو بلوك باطون أو مدخل بناية”.
عملياً، دخلت التحقيقات حيّزاً هاماً وسط نية ورغبة لدى مخابرات الجيش في إنجاز الملف وتفكيك كافية الأحجية سيما بعدما بانت قدرة المسلحين مطلقي النار على التحرك براحة والتواري عن الأنظار مدةً طويلة ثم الولوج خارج “منطقة العمليات” بصورة طبيعية وهادئة. أمرٌ من هذا القبيل ولدّ اعتقاداً بأن ثمة “حاضنة داخلية” لم تزودهم فقط بمتطلباتهم اللوجستية إنما وفرت لهم الحماية ايضاً.
على قائمة الموقوفين حالياً وبحسب مصدر خاص بـ”ليبانون ديبايت” 19 شخصاً، أي بزيادة 10 أشخاص عن البيان الأول الذي أعلنت من خلاله قيادة الجيش توقيف 9 أشخاص غداة الحادثة. معلومات “ليبانون ديبايت” أشارت إلى أن الموقوفين ينتمون في معظمهم إلى جهة حزبية محددة “القوات اللبنانية”، ويجري التحقيق في مسألة ارتباطها تنظيمياً أم لا، وإن كانوا يعملون ضمن خلية عسكرية مشتركة ومدى صلة الإرتباط بين الموقوفين.
الملفت في الموضوع، أن بعض التوقيفات حصلت في أماكن بعيدة نسبياً عن رقعة الإشتباك الجغرافي. فإحدى المجموعات قبض عليها في أعالي جبل لبنان، وأخرى بحسب معلومات “ليبانون ديبايت” أوقفت في منطقة المدور. تلك المجموعات أحيلت إلى التحقيق لمعرفة مدى صلتها أو ارتباطاتها بالحادثة، من دون أن تكشف المصادر عن الأسباب التي أملت على القوة العسكرية توقيفهم، هل بالإستناد إلى معلومات أو شبهة؟
ولعلّ ما يثير الإنتباه، ما تمكن “ليبانون ديبايت” من الحصول عليه من مصدر مستقل، أكد وجود مجموعة من الجرحى في مستشفى جبل لبنان، يعتقد أنهم سقطوا بالرصاص خلال الإشتباكات. وبعد مقاطعة المعلومة، تم التأكد من أن الأفراد هم في الحقيقة 3 وضعوا تحت الرقابة الأمنية المشددة وعلى ذمة التحقيق، لمعرفة مدى صلتهم بما جرى، هل أصيبوا خلال الإشتباك الذي تلى إطلاق النار؟ هل هم من القناصين الذين اعتلوا السطوح العالية؟ أم مجرد مواطنين كانوا متواجدين في المكان! وإن كان ذلك صحيحاً فما سبب وجودهم في منطقة إشتباكات خطرة وساخنة؟
بعيداً عن التحقيقات وعند مثلث بدارو – الطيونة – عين الرمانة – الشياح، ساد الهدوء الحذر يوم أمس. اختفت المظاهر المسلحة دون أن يختفي الشبان الذين استقروا عند مفترقات الطرقات الداخلية المؤدية إلى المناطق افراداً وجماعات، هذا قبل أن يتوجه معظمهم إلى تشييع الشهداء. بعض الأطفال فضّل البحث عن “فراغات الرصاصات” في وقتٍ توافد مواطنون لمعاينة ما جرى. هل انتهت المواجهة؟ لا جواب واضح في ظل حالة الغليان السائدة وطغيان الشعور بالغدر على ما عداه لتصادفك عبارة دائماً: غداً يومٌ آخر.
المصدر: ليبانون ديبايت – عبدلله قمح