بسرعة قياسية، إنقلبت الأجواء الداخلية وتبدّلت الأولويات، وأصبح السلم الأهلي وحماية الإستقرار، العنوان الرئيسي، وطغى صوت الرصاص على خطوط التماس القديمة، التي لم تنجح التفاهمات والتسويات وكل خطوات ربط النزاع في شطبها من المعادلة السياسية والوطنية الداخلية. هل عادت الحرب؟ بالطبع لا، لأن ما حصل على مدى ساعات في بدارو والخط الفاصل بين الشياح وعين الرمانة، كان اهتزازاً أمنياً هادفاً وفق أجندة سياسية واضحة، كما تكشف معلومات سياسية متابعة لكل مجريات ما سُمّي بالإشتباكات حتى قبل اندلاعها، من قبل جهات عملت على إعداد الساحة لمواجهة أمنية في الشارع، اشتبك فيها السلاح ب”اللحم الحي” للمواطنين الآمنين في منازلهم، والذين كانوا يصوّرون ما يجري أمامهم، مذهولين وغير مصدّقين.
وإذا كانت نتائج ما حصل قد كُتبت مسبقاً، بحسب ما تعتبر المعلومات، والتي تشير إلى عناصر مشتركة ظهرت في كل التصريحات والبيانات الرسمية والحزبية، والتي فضحت السيناريو الذي جرى إعداده بإتقان، من أجل تحقيق أكثر من هدف بضربة واحدة، والأول هو ابتزاز القضاء، وتحديداً من خلال بدء الحديث عن اتهام “القوات اللبنانية” بالإعتداء على مواطنين سلميين، ولو كانوا مدجّجين بكل أنواع الأسلحة، حتى الصاروخية منها، وقاموا بتصوير أنفسهم وانتقلت الفيديوهات عبر مواقع التواصل الإجتماعي، مما ساهم في فضح جوانب من المخطّط من قبل الذين ينفّذونه في الشارع.
أمّا الهدف الثاني، وكما تُضيف المعلومات نفسها، هو التخطيط لتكوين ما يشبه القضية التي يجب أن تُحال إلى المجلس العدلي، والبدء بآلية عمل ترتدي طابع المواجهة والإبتزاز من خلال اتهام واستدعاء مسؤولين من “القوات”، في مقابل الإستدعاءات التي يقوم بها المحقّق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، وذلك، على اعتبار أن إرساء توازن ما في حركة الإتهامات، سيؤمّن التسوية المنشودة للتحقيقات بانفجار المرفأ.
ولا يقتصر السيناريو على هذين الهدفين، بل إن توظيف ال”ميني حرب” سيحصل في السياسة، بحسب المعلومات، التي تشير إلى أهداف أخرى، مثل تطيير الإنتخابات النيابية، وفرض أمر واقع سياسي جديد، واستثمار عملية اتهام “القوات” في الشارع المسيحي بالدرجة الأولى.
وبذلك، يكون أكثر من فريق قد نال المكاسب من خلال اشتباكات خطوط التماس القديمة، على الرغم من التباينات والخلافات بينهما، والدليل الثابت على التوافق حول السيناريو المذكور، تقول المعلومات، هو وضع كل تفاصيل الإتفاقات والتفاهمات، وكذلك الصراعات جانباً، والسير وفق خارطة طريق تحريضية ضد “القوات” بدأت مع ملف النيترات “المشبوه”، ولن تتوقّف مع قضية الإتهام باستهداف المتظاهرين في الطيونة.
المصدر: ليبانون ديبايت – المحرر السياسي