وقع المحظور ، وانفجرت “القلوب المليانة” على جبهة عين الرمانة، فحصل ما كان متوقعاً وعمّت الفوضى الشارع وخطوط التماس بعدما انتشر عليها مسلحون وملثمون، لتصحّ بذلك المخاوف من تحويل البعض المواجهة السياسية-القضائية إلى أمنية – شوارعية، على ضوء المواقف التصعيدية في إطار لعبة الكرّ والفرّ التي بدأت منذ فترة بين المدّعى عليهم والمحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار.
فشعور المطلوبين، ومن خلفهم، بأن ” الطرق” السياسية والقضائية ما عادت تنفع ولن تفيد، للإطاحة بالمحقق العدلي، بعدما أحبطت إنتفاضة القضاة لكرامتهم، كل محاولات إغراق الملف بطلبات الردّ والإرتياب، فيما تكفّلت صلابة “العكاري” بإلغاء مفاعيل حملات التهديد والوعيد والتشكيك،عبر الكلام العالي السقف والصوت، دفع بالمتضررين إلى “تعلية” سقفهم على طاولة مجلس الوزراء، مهدّدين متوعّدين بالشارع، ما دفع رئيس الجمهورية إلى الردّ،
تماهياً مع رفضه وميرنا الشالوحي السير بعملية “قبع البيطار” ونسف التحقيق، خلافاً للأصول الدستورية والقانونية، التي يقوم عليها النظام اللبناني البرلماني.
في القراءة البريئة لمواقف الأطراف المختلفة، يقودنا التحليل إلى أن “الطيونة1” انتهت عملياً، بعدما أدّت مهمتها، بجعل الجميع يدرك مخاطر الإنجراف نحو توازن “حرب الشوارع”، لتعيد اللعبة الى طاولة السياسة، أي مجلس الوزراء، حيث المواجهة الواضحة بين رئيس الجمهورية وفريقه من جهة، وبين ثلث الثنائي الشيعي المعطّل من جهة أخرى، وهو ما أدخل الحكومة في “غيبوبة”، خصوصاً أن المواقف الدولية الصادرة ، رسمت خطوطاً حمراء حول القاضي طارق بيطار والتحقيق برمته، رغم أن لا أفق في المدى المنظور لمنع تكرار مأساة الطيونة بخطوط تماسها واشتباكاتها المرعبة ما دامت العلاجات تسير وفقاً للنمط نفسه.
بطبيعة الحال ما حصل في بيروت لا يمكن فصله عن المسار الإقليمي والدولي المتأزّم، من “الزهق” الأميركي وقرب نفاذ صبر واشنطن وحلفائها ، من المراوغة الإيرانية في العودة إلى محادثات فيينا، ولا بالنسبة لما أنتجته إنتخابات العراق من توازنات جديدة وفرضته من مرجعيات، وصولاً إلى موقف واشنطن المستجدّ من التطبيع مع سوريا، في ردّ واضح على السلوك الأردني وما حمل من أبعاد وتصورات، دون إغفال أحداث أفغانستان والتوتر الديبلوماسي الأميركي-الروسي. كل ذلك يؤشّر لوجود توجّه لرسم خريطة جديدة في لبنان، لن تحصل على البارد إنما على الحامي، حيث الهاجس الأساسي أن لا يكون ما نشهده مقدمة، لفرط البلد وإعادة رسم الخرائط طائفياً .
إذاً التحدي الكبير اليوم هو، ماذا بعد ؟ هل سيصمد جنرال بعبدا أمام الضغوط؟ أم أن ما حصل في الشارع سيُجبره على تبنّي مخرجٍ ما للتخلّص من البيطار؟ أم يرحل الأخير وحده؟ لن يكون من السهل الإجابة حالياً على هذا السؤال. ثابتٌ وحيد ، إذ حتى ولو نجحت الإتصالات في ترميم التصدّعات الحكومية، فإن البلد قد تصدّع أمنياً، ما يؤكد أننا نسير نحو الإرتطام الكبير المفتوح على شتى الإحتمالات سياسياً وحكومياً وأمنياً، وإن حالت المواقف والإتصالات الجارية في منع تفجّرها راهناً. فما جرى على طاولة بعبدا ، يؤكد لأهل الداخل والخارج أن كلّ ما قيل سابقاً كان صحيحاً، وبالتالي لن تكون هناك مساعدات ولا “من يحزنون” حتى فرنسياً، مع تأكيد مصادر الإيليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أبدى غضبه من تطور الأحداث في بيروت، مبلّغاً مقرّبين منه إتجاهه لإصدار “موقفٍ غير عادي”، في ما خصّ التحقيقات في المرفأ والتسوية الحكومية.
وفقاً لأحداث التاريخ، من محور عين الرمانة الشياح، إنطلقت شرارة ال 30 سنة حرب والتي انتهت بهزيمة عسكرية مسيحية واتفاق طائف سياسي عام 1990 ، وفقاً للتوازنات التي كانت قائمة يومها. فهل ما حصل اليوم هو شرارة حرب 2021 في ظلّ المتغيرات الإقليمية، من جبهة بدارو-الطيونة هذه المرة؟
أكيد أن الحلول الترقيعية ما عادت تنفع ، بعدما “شُقّ باب جهنم” ودخلنا في المجهول-المعلوم، وسط خشية العالمين أن الحلّ خرج من أيدي أصحاب القرار، بعدما باتت المعادلة “قبع” البيطار أو الفوضى، بعدما كانت يوماً “الضاهر رئيساً” أو الفوضى…