اجتاحتنا الكوارث في لبنان من كل حدب وصوب، وباتت النجاة مهمة تكاد تكون مستحيلة، أو أقله، يمكن القول مهمة صعبة. نحتاج لعبورها بسلام إلى الصبر، للكثير منه، بفعل الظلم اللاحق بنا والاستبداد، والأهم… نحتاج للدولار، ولكن ما السبيل إليه، في عزّ الانهيار؟
في السنتين الأخيرتين تحوّل “الدولار” إلى شغل اللبنانيين الشاغل، فهو سبيلهم إلى راحة البال والطمأنينة إلى الغد، بعدما مُنع جنى عمرهم عنها… فإذ بهم، وكلّ بحسب مهنته واختصاصه يحاولون بشتى الطرق تأمين العملة الصعبة من خارج حدود لبنان، حتى يتمكنوا قدر الإمكان من الصمود هنا، واستبعاد فكرة المغادرة إلى الخارج.
المهندسون، على اختلاف اختصاصاتهم، وبعد تراجع أعمالهم في لبنان، بفعل توقف المشاريع والاستثمارات، حوّلوا انظارهم إلى مشاريع خارجية، فإذ بهم يرسمون الخرائط عن بعد، ويحصلون على “الدولار الفريش”. ومنهم خصوصا، مهندسو الديكور الذين ازدهرت أعمالهم الخارجية بكثرة في الآونة الاخيرة.
كثر من الصحافيين أيضا باتوا يصدّرون أعمالهم إلى الخارج، ونعني طبعا كتابة المقالات لصالح مجلات أو صحف في الخارج مهتمّة بأقلامهم أو مصادرهم أو إسمهم.
الأساتذة كذلك الامر، باتت رسالتهم تتخطى الحدود، في سبيل الحصول على العملة الصعبة، فتراهم يعطون دروسا خصوصية بمختلف المواد واللغات.
أما الأوفر حظا ربما من بين هؤلاء، هم خبراء البرمجة عموما، الذين اعتادوا العمل عن بعد، وإذ بهم ينشطون بأعمالهم، وخصوصا أولئك الذين يعملون في برمجهة الالعاب والتطبيقات.
رياضيون ورياضيات لبنانيات، نجحوا أيضا في جذب الدولارات من الخارج، من خلال تدريبات خاصة يعطونها “أونلاين”، وهم استفادوا خصوصا خلال مرحلة الاقفال بسبب كورونا، والتي حتّمت إقفال النوادي الرياضية ابوابها.
أما أصحاب الأصوات المميزة، فلهم نصيبهم أيضا من “الفريش”، حيث أنهم ينضمون إلى تطبيقات تتيهم لهم الحصول على نصوص معيّنة ومقاطع تحتاج إلى تسجيل صوتي أو voice over، فإذ بصوتهم يعبر الحدود، لتعبر معه في المقابل الدولارات.
قد يبدو المشهد في لبنان جهنميا، وهو كذلك، لكن اللبنانيين الذين لطالما شكلوا علامة فارقة في العالم، يبرهنون حتى في أحلك وأسوأ الأيام التي نعيشها أن عزيمتهم وصلابتهم تتخطى الحدود… فإذ بهم يصطادون الدولارات عن بعد!